وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ حُرٍّ قَادِرٍ، وَإِذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذَنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، وَلَا بَأْسَ بِالْجُعْلِ إِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ؛ وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ فِي مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا دَعَاهُمْ إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَبَيَّنُوا لَهُمْ كَمِّيَّتَهَا وَمَتَى تَجِبُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ وَالْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّ الْكُفْرِ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ، وَإِطْفَاءُ ثَائِرَتِهِمْ، وَإِعْلَاءُ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجِهَادِ وَلَا يَخْرُجُ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَكُونُ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ تَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزِّرَاعَاتِ وَالصَّنَائِعِ، وَانْقَطَعَتْ مَادَّةُ الْجِهَادِ مِنَ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَلَا يَقْدِرُ الْمُجَاهِدُونَ عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَى الْجِهَادِ فَيُؤَدِّيَ إِلَى تَعْطِيلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.
قَالَ: (وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ عَاقِلٍ صَحِيحٍ حُرٍّ قَادِرٍ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ مَشْغُولَانِ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الْخِطَابِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَادِرِ فَلِأَنَّ تَكْلِيفَ الْعَاجِزِ قَبِيحٌ كَالْمَرِيضِ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدِ وَنَحْوِهِمْ، وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: ١٧] الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْفَتْحِ.
قَالَ: (وَإِذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ فَرْضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالْجُعْلِ إِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ) لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِاحْتِمَالِ الْأَدْنَى، وَالْحَاجَةُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ وَيَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمِيرَةِ وَمَوَادِّ الْجِهَادِ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ» وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُغْزِي الْأَعْزَبَ عَنْ ذِي الْحَلِيلَةِ، وَيُعْطِي الشَّاخِصَ فَرَسَ الْقَاعِدِ.
قَالَ: (وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ فِي مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ دَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا قَاتَلَ قَوْمًا حَتَّى دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ» ، وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا أَسْلَمُوا فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَهْوَنِ الشَّرَّيْنِ.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» الْحَدِيثَ، وَلِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِسْلَامُهُمْ وَقَدْ حَصَلَ.
قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا دَعَاهُمْ إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ (إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَبَيَّنُوا لَهُمْ كَمِّيَّتَهَا، وَمَتَى تَجِبُ) عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي بَابِهِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا لَا يَدْعُوهُمْ، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، إِذْ لَا يُقْبَلُ