للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ، وَالْعُشْرُ يَتَكَرَّرُ " وَإِذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوِ انْقَطَعَ عَنْهَا أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ، وَإِنْ عَطَّلَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَقْرُبُ مَنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجَيَّةٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنَ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ: كَفِنَاءِ الدَّارِ وَحَرِيمِ الْبِئْرِ وَالشَّجَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَالْقِيَاسُ فِي الْبَصْرَةِ الْخَرَاجُ لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِهِ، إِلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَظَّفُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجَيَّةٌ، لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يُوَظَّفُ عَلَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِالْتِزَامِهِ، فَإِذَا سَاقَ إِلَيْهَا مَاءَ الْخَرَاجِ فَقَدِ الْتَزَمَ الْخَرَاجَ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَكُلُّ أَرْضٍ خَرَاجٍ انْقَطَعَ عَنْهَا مَاءُ الْخَرَاجِ فَسُقِيتَ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَكُلُّ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٌ انْقَطَعَ عَنْهَا مَاءُ الْعُشْرِ فَسُقِيَتْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجَيَّةٌ اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ إِذْ هُوَ سَبَبُ النَّمَاءِ.

قَالَ: (وَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ ذَلِكَ فَكَفَى بِهِمْ حُجَّةٌ، وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ قَهْرًا، وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَإِنَّهُمَا مُتَنَافِيَانِ.

قَالَ: (وَلَا يَتَكَرَّرُ الْخَرَاجُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ وَالْعُشْرُ يَتَكَرَّرُ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفِ الْخَرَاجَ مُكَرَّرًا، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ لِلْأَرْضِ كَالْأُجْرَةِ، فَإِذَا أَدَّاهَا فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا شَاءَ وَيَزْرَعَهَا مِرَارًا. أَمَّا الْعُشْرُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ الْخَارِجِ وَلَا يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إِلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ.

قَالَ: (وَإِذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوِ انْقَطَعَ عَنْهَا أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ) ، وَكَذَلِكَ إِنْ مَنَعَهُ إِنْسَانٌ مِنَ الزِّرَاعَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَرَاجِ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنَ الزِّرَاعَةِ كَمَا فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَفِي الْعُشْرِ حَقِيقَةُ الْخَارِجِ، وَفِيمَا إِذَا أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَاتَ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ فِي بَعْضِ السَّنَةِ، وَكَوْنُهُ نَامِيًا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ شَرْطٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِثْلَيِ الْخَرَاجِ فَصَاعِدًا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ الْخَرَاجِ، وَإِنْ أَخْرَجَتْ قَدْرَ الْخَرَاجِ يُؤْخَذُ نِصْفُهُ تَحَرُّزًا عَنِ الْإِجْحَافِ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ.

قَالَ: (وَإِنْ عَطَّلَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا) لِأَنَّ الْخَرَاجَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الزِّرَاعَةِ لَا بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَالتَّمْكِينُ ثَابَتٌ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَهُ، وَلَوِ انْتَقَلَ إِلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى. قَالُوا: وَلَا يُفْتَى بِهَذَا كَيْلَا تَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ وَظِيفَةً مَشْرُوعَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ كِفَايَةً لِلْمُقَاتِلَةِ وَكَانَتْ رَسْمَ كِسْرَى، فَصَارَتْ شَرِيعَةً لَنَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا فَتَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ تَرَكَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ لِيَمْسَحَ الْأَرَاضِيَ وَجَعَلَ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>