فَإِذَا قَاتَلَهُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيَهُمْ، وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ، وَيَحْبِسُهَا حَتَى يَتُوبُوا فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْقِتَالِ بِسِلَاحِهِمْ وَكِرَاعِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَفِي حَبْسِهِمْ قَطْعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَيَكْتَفِي الْمُسْلِمُونَ مَئُونَتَهُمْ.
قَالَ: (فَإِذَا قَاتَلَهُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ أَجْهَزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتَّبَعَ مُوَلِّيَهُمْ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَعُودُوا إِلَى الْحَقِّ، قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] فَإِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ يَنْحَازُونَ إِلَيْهَا لَا يَزُولُ بَغْيُهُمْ لِأَنَّهُمْ يَنْحَازُونَ إِلَى فِئَةٍ مُمْتَنِعَةٍ مِنَ الْبُغَاةِ فَيَعُودُونَ إِلَى الْقِتَالِ؛ وَأَمَّا الْأَسِيرُ فَإِنْ رَأَى قَتْلَهُ قَتَلَهُ لِأَنَّ بَغْيَهُ لَمْ يَزُلْ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ فَعَلَ، فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إِذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَ وَهُوَ الْأَحْسَنُ، لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ لَمْ يُجْهِزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يَتَّبِعْ مُوَلِّيَهُمْ وَلَا يَقْتُلْ أَسِيرَهُمْ، هَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ: لَا يَغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَقَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: " لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَلَا تَذْفِفُوا عَلَى جَرِيحٍ " أَيْ لَا يُتِمُّ قَتْلَهُ، وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي الْبَابِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَإِزَالَةُ بَغْيِهِمْ وَقَدْ حَصَلَ.
قَالَ: (وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ وَيَحْبِسُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَالْإِسْلَامُ عَاصِمٌ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهَا عَنْهُمْ تَقْلِيلًا عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا تَابُوا رُدَّتْ عَلَيْهِمْ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْحَبْسِ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالْقِتَالِ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ فَيُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ سِلَاحَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَهَذَا أَوْلَى، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا يَوْمَ الْبَصْرَةِ، فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهُ حَبَسَهُ لَهُمْ وَلَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَحْبِسُ السِّلَاحَ وَيَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيُمْسِكُ ثَمَنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ وَأَيْسَرُ، فَإِذَا زَالَ بَغْيُهُمْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَمَا أَصَابَ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْآخَرِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوِ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ وَلَا قِصَاصَ، وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ. قَالَ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ أَنَّ كُلَّ دَمٍ أُرِيقَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ هَدَرٌ، وَكُلَّ مَا أُتْلِفَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَكُلَّ فَرْجٍ اسْتُبِيحَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَمَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ رُدَّ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إِذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يُغْرَمُوا وَلَا أُجْبِرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّحَيُّزِ وَالْخُرُوجِ وَبَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ يُؤْخَذُونَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute