فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ جُعْلٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَالِثٍ لِأَسْبَقِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ شُرِطَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ قِمَارٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ بِفَرَسٍ كُفْءٍ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ سَبْقُهُ لَهُمَا إِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يُعْطِهِمَا، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إِذَا اخْتَلَفَ فَقِيهَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَرَادَا الرُّجُوعَ إِلَى شَيْخٍ وَجَعَلَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
«وَكَانَتِ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا رَفَعَ اللَّهُ شَيْئًا إِلَّا وَضَعَهُ» . وَفِي الْحَدِيثِ: «تَسَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَلَّى أَبُو بَكْرِ وَثَلَّثَ عُمَرُ» . وَعَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنَ الْمَلَاهِي سِوَى النِّصَالِ وَالرِّهَانِ» أَيِ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ جُعْلٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَالِثٍ لِأَسْبَقِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ) ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إِنْ سَبَقَتْنِي أَعْطَيْتُكَ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ لَا آخُذُ مِنْكَ شَيْئًا، أَوْ يَقُولَ الْأَمِيرُ لِجَمَاعَةِ فُرْسَانٍ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ سُبِقَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ أَوْ يَقُولُ لِجَمَاعَةِ الرُّمَاةِ: مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا، وَإِنَّمَا جَازَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى تَعْلِيمِ آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ؛ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَالِ بِالْخَطَرِ.
قَالَ: (وَإِنْ شُرِطَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ قِمَارٌ) وَإِنَّهُ حَرَامٌ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ بِفَرَسٍ كُفْءٍ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ سَبْقُهُ لَهُمَا، إِنْ سَبْقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا، وَإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يُعْطِهِمَا، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ) ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْمُحَلِّلِ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَيَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ فِي الْمُحَلِّلِ أَنْ يَكُونَ إِنْ سَبَقَاهُ أَعْطَاهُمَا، وَإِنْ سَبْقَهُمَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمَا وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ مِثْلَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إِدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا.
قَالَ: (وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إِذَا اخْتَلَفَ فَقِيهَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَرَادَا الرُّجُوعَ إِلَى شَيْخٍ وَجَعَلَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَفْرَاسِ لِمَعْنَى يَرْجِعُ إِلَى الْجِهَادِ يَجُوزُ هُنَا لِلْحَثِّ عَلَى الْجُهْدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الدِّينَ يَقُومُ بِالْعِلْمِ كَمَا يَقُومُ بِالْجِهَادِ.
وَالْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ لِلرِّيَاضَةِ مَا لَمْ يُتْعِبْهُمَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالرَّمْيِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الْجَنَّةَ ثَلَاثَةً: صَانِعَهُ وَمُنْبِلَهُ وَالرَّامِيَ بِهِ» ، رَوَاهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ؛ وَنَخْسُ الدَّابَّةِ وَرَكْضُهَا لِلْجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَرَضٍ صَحِيحٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِلتَّلَهِّي مَكْرُوهٌ، وَرَكْضُ الدَّابَّةِ بِتَكَلُّفٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute