فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا حَلَّ، وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَسْمِيَةِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ أُخْرَى أُكِلَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْمَ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْمَتْرُوكِ عَامِدًا، وَأَمَّا كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي طَعَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ {حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمَجُوسِ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» ; فَدَلَّ عَلَى حِلِّ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ الْمَسِيحَ وَسَمِعَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْنِي الْمَسِيحَ يَأْكُلُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبُطُهَا وَيَقْدِرُ عَلَى الذَّبْحِ، فَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَالصَّبِيِّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الذَّبْحِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا مِلَّةَ لَهُ فَلَا تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ، وَيَجُوزُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ ; لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ لَهُ فَحِلُّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالتَّسْمِيَةِ.
قَالَ: (فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةِ نَاسِيًا حَلَّ) ; لِأَنَّ فِي تَحْرِيمِهِ حَرَجًا عَظِيمًا ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنِ النِّسْيَانِ فَكَانَ فِي اعْتِبَارِهِ حَرَجٌ. وَسُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَمَّنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، فَقَالَ: «اسْمُ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ» ، وَلِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِمَا نَسِيَهُ بِالْحَدِيثِ فَلَمْ يَتْرُكْ فَرْضًا عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الْعَامِدِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى فَذَبَحَ غَيْرَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَإِنْ ذَبَحَ بِشَفْرَةٍ أُخْرَى أَكَلَ) ، وَلَوْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى ثُمَّ وَضَعَهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُسَمِّ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ فَأَصَابَ صَيْدًا آخَرَ حَلَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الذَّبِيحَةِ، قَالَ - تَعَالَى -: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: ٣٦] فَإِذَا تَبَدَّلَتِ الذَّبِيحَةُ ارْتَفَعَ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا، وَفِي الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ التَّسْمِيَةِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الْآلَةِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» ، وَقَالَ: «فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ» ، فَمَا لَمْ تَتَبَدَّلِ الْآلَةُ فَالتَّسْمِيَةُ بَاقِيَةٌ، وَإِذَا تَبَدَّلَتِ ارْتَفَعَ حُكْمُهَا فَاحْتَاجَ إِلَى تَسْمِيَةٍ أُخْرَى.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - اسْمَ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) ; لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ، فَإِذَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَعَ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَأَمَّا إِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا بِهِ أَوْ مَفْصُولًا، فَإِنْ فَصَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ أَوْ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ أَوْ بَعْدَ الذَّبِيحَةِ ; لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الذَّبِيحَةِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ: " اللَّهْمَ تَقَبَّلْ هَذِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِيَ بِالْبَلَاغِ» ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعْطُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا حُرِّمَتْ ; لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَلَوْ رَفَعَهَا لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute