للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ. وَإِنِ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ جَازَ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ وَيُرِيدُونَهَا.

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْأُضْحِيَّةِ وَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ إِضَافَةَ الْيَوْمِ إِلَيْهِ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ فِيهِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا وُجُودَ إِلَّا بِالْوُجُوبِ فَيَجِبُ تَصْحِيحًا لِلْإِضَافَةِ وَكَمَا فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَصَدَقَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَمْ تُكَتَبْ عَلَيْكُمْ» قُلْنَا نَفْيُ الْكِتَابَةِ نَفْيُ الْفَرِيضَةِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابَةِ الْفَرْضُ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣] أَيْ فَرْضًا مُوَقَّتًا، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ مَكْتُوبَةً، فَكَأَنَّ النَّصَّ يَنْفِي الْفَرْضِيَّةَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ: «وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ» أَيْ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعَارُضِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَمَا وَجَبَ بِالسُّنَّةِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَنِ وَهُوَ كَثِيرُ النَّظِيرِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَخَافَا أَنْ يَظُنَّهَا النَّاسُ وَاجِبَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا احْتِجَاجَ بِقَوْلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ وَالتَّرْجِيحُ لَنَا ; لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوجِبٌ وَمَا ذَكَرُوهُ نَافٍ وَالْمُوجِبُ رَاجِحٌ وَتَمَامُهُ عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُسَافِرِ ; لِأَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِأَسْبَابٍ شَقَّ عَلَى الْمُسَافِرِ تَحْصِيلُهَا وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَمْ تَجِبْ كَالْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ الْفِطَرِ وَالزَّكَاةِ حَيْثُ لَا تَفُوتُ بِالْوَقْتِ، وَيَجُوزُ فِيهِمَا التَّأْخِيرُ وَدَفْعُ الْقِيَمَ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ جُمُعَةٌ وَلَا أُضْحِيَّةٌ، وَاخْتِصَاصُهَا بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَبِالْحُرِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَبِالْمُقِيمِ لِمَا مَرَّ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِيمُ بِالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي لِأَنَّهُ مُقِيمٌ، وَبِالْغِنَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَالْمُرَادُ الْغِنَى الْمَشْرُوطُ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَعَنْهُ لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْقُرْبَةُ لَا تُتَحَمَّلُ بِسَبَبِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا مَئُونَةٌ وَسَبَبُهَا رَأَسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَصَارُوا كَالْعَبِيدِ يُؤَدِّي عَنْهُمْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَلَا يُضَحِّي عَنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ ضَحَّى عَنْهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فَلَا يُخَاطَبُ بِهَا، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِرَاقَةُ وَالتَّصَدُّقُ بِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ جَمِيعِهَا عَادَةً وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَلَا تَجِبُ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَجِبُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهَا لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا الصَّغِيرُ وَعِيَالُهُ وَيَدَّخِرُ لَهُ مَا يُمْكِنُهُ وَيَبْتَاعُ لَهُ بِالْبَاقِي، وَمَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ فِي الْجِلْدِ. وَالْجَدُّ مَعَ الْحَفَدَةِ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ) لِأَنَّهُ أَدْنَى الدَّمِ كَمَا قُلْنَا فِي الْهَدَايَا.

قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ جَازَ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) يَعْنِي مُسْلِمِينَ (وَيُرِيدُونَهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>