وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا إِذَا كَانُوا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَوْ وُجِدَ فِي السَفِينَةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمَلَّاحِينَ وَالرُّكَّابِ، وَفِي مَسْجِدِ مَحِلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا، وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا قَسَامَةَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ أَحَدٌ وَكَانَ فِي الْمَحِلَّةِ مُشْتَرُونَ وَسُكَّانٌ، فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ دُونَ السُّكَّانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ وَكَانُوا سُكَّانًا، وَلِأَنَّ السَّاكِنَ يَلِي التَّدْبِيرَ كَالْمَالِكِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ أَخَصُّ بِالْبُقْعَةِ وَنُصْرَتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ السُّكَّانَ يَكُونُونَ فِي وَقْتٍ وَيَنْتَقِلُونَ فِي وَقْتٍ فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ عَلَى مَنْ هُوَ أَخَصُّ، وَأَمَّا أَهْلُ خَيْبَرَ فَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْخَرَاجَ.
قَالَ: (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِأَنْ يُذْرَعَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ» ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهَذَا (إِذَا كَانُوا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ) لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ، فَأَمَّا إِذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ أَهْلُ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى فَالْقَسَامَةُ عَلَى الَّذِينَ يَسْمَعُونَ لِمَا قُلْنَا.
(وَلَوْ وُجِدَ فِي السَّفِينَةِ فَالْقَسَامَةُ عَلَى الْمَلَّاحِينَ وَالرُّكَابِ) وَهَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَرَى الْقَسَامَةَ عَلَى الْمُلَّاكِ وَالسُّكَّانِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسَّفِينَةُ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَالدَّابَّةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّارُ وَالْمَحِلَّةُ فَافْتَرَقَا.
قَالَ: (وَفِي مَسْجِدٍ مَحِلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِنُصْرَتِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَكَأَنَّهُ وُجِدَ فِي مَحِلَّتِهِمْ.
قَالَ: (وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا قَسَامَةَ) وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَعْضِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا يَجِبُ لِأَجْلِهِ يَكُونُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لِلتُّهْمَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السِّجْنِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَتْلَ وُجِدَ مِنْهُمْ. وَلَهُمَا أَنَّهُمْ مَقْهُورُونَ لَا نُصْرَةَ لَهُمْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ لِأَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ السِّجْنِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ وُضِعَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ فَكَانَتِ النُّصْرَةُ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ مِنْ فُرُوعِ الْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ كَالسُّكَّانِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ وُجِدَ فِي السُّوقِ إِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَعَلَى الْمُلَّاكِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى السُّكَّانِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَوْ هُوَ لِلسُّلْطَانِ فَهُوَ كَالشَّارِعِ الْعَامِّ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ حَقُّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَسُوقُ السُّلْطَانِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَا يَجِبُ فِيهِ يَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ; لِأَنَّ حُكْمَ الدِّيَةِ التَّأْجِيلُ كَمَا فِي الْعَاقِلَةِ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْمُقِرِّ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute