للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ، وَتُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

عَشِيرَتِهِ وَقُوَّةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّةِ أَنْصَارِهِ مِنْهُمْ، فَكَانُوا كَالْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي الْقَتْلِ فَضَمِنُوا إِلَيْهِ لِذَلِكَ كَالرِّدْءِ وَالْمُعِينِ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا وَيَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ إِذَا قَتَلَ فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَنَةِ كَعَادَةِ النَّاسِ فِي التَّعَارُفِ، بِخِلَافِ الْمُتْلَفَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكْثُرُ قِيمَتُهَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّخْفِيفِ، وَالدِّيَةُ مَالٌ كَثِيرٌ يُجْحِفُ بِالْقَاتِلِ فَاحْتَاجَ إِلَى التَّخْفِيفِ.

قَالَ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالِاعْتِرَافِ أَوْ سَقَطَ الْقَتْلُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ كَالْأَبِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِحَدِيثِ الْجَنِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعَمَّدَتْ ضَرْبَهَا بِالْعَمُودِ فَقَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ أُجْرِيَ كَالْخَطَأِ فِي بَابِ الدِّيَةِ فَكَذَلِكَ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ. وَقَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

قَالَ: (فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فَهُمْ عَاقِلَتُهُ) وَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي زَمَانِنَا هُمْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ لِكُلِّ رَايَةٍ دِيوَانٌ عَلَى حِدَةٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الْقَرَابَةُ وَالْوَلَاءُ وَالْحِلْفُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَبَقَوْا عَلَى ذَلِكَ إِلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ صَارَ التَّنَاصُرُ بِالدَّوَاوِينِ، فَأَهْلُ كُلِّ دِيوَانٍ يَنْصُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ.

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ الْعَقْلَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى عَشِيرَةِ الرَّجُلِ فِي أَمْوَالِهِمْ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ فَجَعَلَ الْعَقْلَ فِيهِ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ، وَهُوَ عَلَى وِفَاقِ مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْنًى؛ فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ عَلَى الْعَشِيرَةِ بِاعْتِبَارِ النُّصْرَةِ ثُمَّ الْوُجُوبِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، فَإِيجَابُهُ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى، وَأَهْلُ كُلِّ دِيوَانٍ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

قَالَ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا وَتُعْتَبَرُ الثَّلَاثُ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ يَوْمَ الْقَضَاءِ، وَسَوَاءٌ خَرَجَتْ فِي أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْعَطَاءِ تَخْفِيفًا، فَإِذَا حَصَلَتْ فِي أَيِّ وَقْتٍ حَصَلَ وُجِدَ الْمَقْصُودُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ خُرُوجُ الْعَطَاءِ لَمْ يُطَالِبُوا بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَعَجَّلَ الثَّلَاثَ سِنِينَ أُخِذَ مِنْهَا الْجَمِيعُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا وَجَبَ جَمِيعُ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَانَ كُلُّ ثُلُثٍ فِي سَنَةٍ فَإِذَا وَجَبَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ كَانَ فِي سَنَةٍ، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ، وَمَا زَادَ إِلَى تَمَامِ الدِّيَةِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ أَصْحَابَ الرِّزْقِ أَخَذَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنْ خَرَجَتْ أَرْزَاقُهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَخَذَ مِنْهَا الثُّلُثَ، وَإِنْ خَرَجَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>