وَمَنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ قَالَ: أَبَدًا، فَلَهُ ثَمَرَتُهُ مَا عَاشَ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْحَاضِرَةُ وَالْمُسْتَقْبَلَةُ وَإِنْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا فَلَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ، قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ابْتِدَاءَ اسْتِحْقَاقٍ مِنْ غَيْرِ رِضًى فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّتِهِمَا فَاسْتَخْدَمَ بِنَفْسِهِ وَسَكَنَ، قِيلَ: يَجُوزُ لِاسْتِوَاءِ الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الْمَقْصُودِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِمَا حَصَلَتْ وَهُوَ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ، وَهُمَا غَيْرُ مُتَفَاوِتَيْنِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ أَمْكَنَهُمُ اسْتِرْدَادُ الْغَلَّةِ وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ، وَلَا يُمْكِنُهُمُ اسْتِرْدَادُ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا فَكَانَ هَذَا أَوْلَى، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ الثُّلُثَيْنِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى الْجَمِيعِ لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ تَخْرُجُ الدَّارُ مِنَ الثُّلُثِ وَلَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِي الثُّلُثَيْنِ لَوْ خَرَّبَ الثُّلُثَ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَالْبَيْعُ يُبْطِلُ ذَلِكَ فَيُمْنَعُونَ عَنْهُ. وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَهُوَ كَمَا أَوْصَى لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا حَيْثُ عَطَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ كَحَالَةِ الِانْفِرَادِ وَحُكْمِ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ مَعَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ كَالْوَارِثِ مَعَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ قَالَ أَبَدًا فَلَهُ ثَمَرَتُهُ مَا عَاشَ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْحَاضِرَةُ وَالْمُسْتَقْبَلَةُ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَنْتَظِمُ الْمَعْدُومُ إِلَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَقَوْلُهُ أَبَدًا صَرِيحٌ فِي إِرَادَتِهِ فَيَنْتَظِمُهُ، إِذْ لَوْ لَمْ يَنْتَظِمْهُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّأْبِيدِ فَائِدَةٌ. أَمَّا الْغَلَّةُ فَيَنْتَظِمُ الْمَوْجُودُ وَمَا سَيُوجَدُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا، يُقَالُ: فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَأَرْضِهِ وَدَارِهِ، وَيُرَادُ بِهِ الْمَوْجُودُ وَمَا سَيُوجَدُ عُرْفًا فَافْتَرَقَا.
قَالَ: (وَإِنْ أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا فَلَهُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ مَوْتِهِ، قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا عُرِفَ، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ لِذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَى الْغَلَّةِ وَالثَّمَرَةِ الْمَعْدُومَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَقُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ، وَبَلْ أَوْلَى لِأَنَّ بَابَ الْوَصِيَّةِ أَوْسَعُ، أَمَّا الْوَلَدُ وَالصُّوفُ وَاللَّبَنُ لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ فِي الْمَعْدُومِ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمَوْجُودِ تَبَعًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَقْصُودًا فِي الْخُلْعِ، فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ يَجُوزُ فِي الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ اتِّبَاعًا لِمَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ وَغَلَّةِ دَارِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ، وَبِسُكْنَى دَارِهِ أَوْ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لَهُمْ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سُكْنَى الدَّارِ وَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ إِلَّا بِالْمِرَمَّةِ وَالنَّفَقَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَبَطَلَتْ.
أَمَّا الْغَلَّةُ يُمْكِنُ تَرْمِيمُ الدَّارِ وَالنَّفَقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute