. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَصْلٌ: فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ الْإِخْوَةَ
قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَعَائِشَةُ: الْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ يَرِثُ مَعَهُ مَنْ يَرِثُ مَعَ الْأَبِ وَيَسْقُطُ بِهِ مَنْ يَسْقُطُ بِالْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَجُعِلَ الْجَدُّ أَبَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، أَوْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِمَا أَيْضًا. وَعَنِ الصِّدِّيقِ أَيْضًا رِوَايَتَانِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: الْجَدُّ لَا يُسْقِطُ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ وَيَرِثُونَ مَعَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَعَهُ، وَكِتَابُنَا هَذَا يَضِيقُ عَنِ اسْتِيعَابِ أَقْوَالِهِمْ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهَا، لَكِنْ نَذْكُرُ مَذْهَبَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِحَاجَتِنَا إِلَى مَعْرِفَةِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا أَخَذَا بِقَوْلِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ زِيدٍ قَالَ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا، وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا؟ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ التَّرَدُّدِ وَالتَّوَقُّفِ وَلَمْ تَتَعَارَضْ عَنْهُ الرِّوَايَاتُ وَتَعَارَضَتْ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَقَحَّمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ.
وَرَوَى عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا. «وَعَنْهُ أَنَّهُ جَمَعَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي بَيْتٍ وَقَالَ لَهُمْ: لَا بُدَّ أَنْ تَتَّفِقُوا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي الْجَدِّ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلْجَدِّ بِالسُّدُسِ، فَقَالَ: مَعَ مَنْ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: لَا دَرَيْتَ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ كَذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، فَسَقَطَتْ حَيَّةٌ مِنَ السَّقْفِ فَتَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَبَى اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْخِلَافُ» . وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَلْقُوا عَلَيْنَا مَسَائِلَ الْفَرَائِضِ وَاتْرُكُوا الْجَدَّ، لَا حَيَّاهُ اللَّهُ وَلَا بَيَّاهُ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ مِثْلُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّ الصَّحِيحَ الْوَارِثَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَالْأَقْرَبُ يُسْقِطُ الْأَبْعَدَ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ كَانَ الْجَدُّ كَأَحَدِهِمْ يُقَاسِمُهُمْ مَا لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ نَقَصَتْهُ فُرِضَ لَهُ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
مِثَالُهُ: جَدٌّ وَأَخٌ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ. جَدٌّ وَأَخَوَانِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ وَالثُّلُثَ سَوَاءٌ. جَدٌّ وَثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ يُفْرَضُ لَهُ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ تُنْقِصُهُ مِنَ الثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ يُعْطَى فَرْضَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْبَاقِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute