للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَحْجُبُ، فَإِنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً أُدِّيَ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِهِ، وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْعِتْقِ.

وَأَمَّا الْكُفْرُ، فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى، لَا يَرِثُ كَافِرٌ مِنْ مُسْلِمٍ، وَلَا مُسْلِمٌ مِنْ كَافِرٍ» ، وَالْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ شَرَائِعُهُمْ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ ضَلَالٌ وَهُوَ ضِدُّ الْإِسْلَامِ فَيُجْعَلُ مِلَّةً وَاحِدَةً، وَيَتَوَارَثُونَ بِمَا يَتَوَارَثُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا الْأَنْكِحَةَ الْبَاطِلَةَ، وَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ دَارٍ مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ وَيَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِتَالَ الْآخَرِ كَالرُّومِ وَالصِّينِ ; لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الْوَلَايَةُ مُنْقَطِعَةً فِيمَا بَيْنَهُمْ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ.

أَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِهِمْ أَوْ مُسْتَأْمَنًا عِنْدَنَا لَا يَرِثُ الذِّمِّيَّ وَلَا يَرِثُهُ الذِّمِّيُّ لِانْقِطَاعِ الْوَلَايَةِ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الدَّارَيْنِ ; ١لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ حَرْبِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى دَارِهِ، وَهَذَا مَعْنَى اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ عِنْدَنَا وَتَرَكَ مَالًا يَجِبُ أَنْ نَبْعَثَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ وَفَاءً بِمُقْتَضَى الْأَمَانِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ وَأَحْكَامُهُ مَرَّ فِي السِّيَرِ. وَأَمَّا الْقَتْلُ فَالْقَاتِلُ مُبَاشَرَةً بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَرِثُ مِنْ مَقْتُولِهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَقَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمُوَسْوَسِ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْحِرْمَانَ ثَبَتَ جَزَاءَ قَتْلٍ مَحْظُورٍ، وَفِعْلُ هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِمَحْظُورٍ لِقُصُورِ الْخِطَابِ عَنْهُمْ فَصَارَ كَالْقَتْلِ بِحَقٍّ، وَالْحَدِيثُ خُصَّ عَنْهُ الْقَتْلُ بِحَقٍّ فَتُخَصُّ هَذِهِ الصُّوَرُ بِظَاهِرِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَظَاهِرُ الْآيَاتِ أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَالتَّسْبِيبُ إِلَى الْقَتْلِ لَا يَحْرِمُ الْمِيرَاثَ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَصَبِّ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً وَالتَّسْبِيبُ لَيْسَ قَتْلًا حَقِيقَةً لِأَنَّ الْقَتْلَ مَا يَحِلُّ فِي الْحَيِّ فَيُؤَثِّرُ فِي انْزِهَاقِ الرُّوحِ، وَالتَّسْبِيبُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي غَيْرِهِ تَعَدَّى أَثَرُهُ إِلَيْهِ، وَصَارَ كَمَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي دَارِهِ فَأَحْرَقَ دَارَ جَارِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ قَتْلٍ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ أَوِ الْكَفَّارَةَ كَانَ مُبَاشَرَةً فَيُحْرَمُ بِهِ الْمِيرَاثُ، وَمَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَهُوَ تَسْبِيبٌ لَا يَحْرِمُ الْمِيرَاثَ، وَالرَّاكِبُ مُبَاشِرٌ لِأَنَّ ثِقْلَهُ وَثِقْلَ الدَّابَّةِ اتَّصَلَ بِالْمَقْتُولِ فَكَأَنَّهُمَا وَطِئَاهُ جَمِيعًا، وَالنَّائِمُ يَنْقَلِبُ عَلَى مُورِثِهِ فَيَقْتُلُهُ مُبَاشِرًا، وَالْقَائِدُ وَالسَّائِقُ مُسَبِّبٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ ثِقْلُهُ بِالْمَقْتُولِ فَلَا يَكُونُ مُبَاشِرًا، وَفِي قَتْلِ الْبَاغِي الْعَادِلَ وَعَكْسِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ عُرِفَ فِي السِّيَرِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>