وفي رواية: "يستنزه" بدل: "يستتر". قلت: وقد اختلف في هذين المقبورين، هل هما من المسلمين أم من الكافرين؟ والراجح أنهما كانا مسلمين، وقد دلل على ذلك الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بكلام متين، ونفى أن يكون أحدهما هو: السيد سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: "لم يعرف اسم القبورين، ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة؛ لقصد الستر عليهما، وهو عمل مستحسن، وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به، وما حكاه القرطبي في "التذكرة" وضعفه عن بعضهم أن أحدهما: سعد بن معاذ! فهو قول باطل، لا ينبغي ذكره إلا مقرونًا ببيانه، ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر دفن سعد بن معاذ، كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "من دفنتم اليوم ههنا؟ "، فدل على أنه لم يحضرهما، وإنما ذكرت هذا ذبًا عن هذا السيد، الذي سماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سيدًا"، وقال لأصحابه: "قوموا إلى سيدكم"، وقال: "إن حكمه قد وافق حكم الله"، وقال: "إن عرش الرحمن اهتز لموته"، إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة؛ خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي، فيعتقد صحة ذلك، وهو باطل. وقد اختلف في المقبورين، فقيل: كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه من حديث جابر -بسند فيه ابن لهيعة- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة. قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي، لكن معناه صحيح؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة، وجزم ابن العطار في "شرح العمدة" بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب، ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينه، يعني: كما في قصة أبي طالب. قلت: وما قاله أخيرًا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمناه أن مسلمًا أخرجه، واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر. =