للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقال القاضي ابن العربي في العارضة (٢: ٢١): "هذا معنى محفوظ في الشريعة عن زيغ البتدعة لئلا يتخلف عن الجماعة، ثم يأتي فيصلي بإمام آخر، فتذهب حكمة الجماعة وسنتها، لكن ينبغى إذا أَذِنَ الإمامُ في ذلك أن يجوز، كما في حديث أبي سعيد، وهو قول بعض علمائنا".
والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب صحيح جليل، ينبئ عن نظر ثاقب، وفهم دقيق، وعقل درّاك لروح الإسلام ومقاصده، وأول مقصد للإسلام، ثم أجله وأخطره-: توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم على غاية واحدة، هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية. والمعنى الروحي في هذا اجتماعهم على الصلاة، وتسوية صفوفهم فيها، أوّلًا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم" [قال سمير: انظر بحثنا عند الحديث الآتي برقم: ١٦٤] وهذا شيء لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين، والغوص على درره، والسموّ إلى مداركه، كالشافعي وأضرابه.
وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار تفرق جماعاتهم في الصلاة، واضطراب صفوفهم، ولمسوا ذلك بأيديهم، إلا من بطلت حاسته، وطمس على بصره.
وإنك لتدخل كثيرًا من مساجد المسلمين، فترى قومًا يعتزلون الصلاة طلبًا للسنة زعموا! ثم يقيمون جماعات اخرى أانفسهم، ويظنون أنهم يقيمون الصلاة بأضل مما يقيمها غيرهم، ولئن صدقوا لقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم، فلا ينفعهم ما ظنوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السن أو المندوبات. وترى قومًا آخرين يعتزلون مساجد المسلمين، ثم يتخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضررًا وتفريقًا للكلمة، وشقّا لعصا المسلمين. نسأل الله العصمة والتوفيق، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا، إنه سميع الدعاء.
وهذا المعنى الذي ذهب إليه الشافعي لا يعارض حديث الباب، فإن الرجل الذى فاتته الجماعة لعذر، ثم تصدق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصلاة معه- وقد سبقه بالصلاة فيها- هذا الرجل يشعر في داخلة نفسه كأنه متحد مع الجماعة قلبًا وروحًا، وكأنه لم تفته الصلاة.
وأما الناس الذين يجمعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين، فإنما يشعرون أنهم فريق آخر، خرجوا وحدهم، وصلوا وحدهم. وقد كان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنهم أن إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقًا-: أن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامة، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين عليه السلام وغيرهما بمصر، ومثل غيرهما في بلاد أخرى، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر، ففي الجامع الأزهر- مثلًا- إمام للقبلة القديمة، وآخر =