للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٧١ - عن أنس بنِ مَالكٍ رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ، فلمّا قضى الصَّلاةَ أقبلَ علينا بوجْهِهِ، فقالَ: "أيُّها الناسُ! إنِّي إمَامُكم، فلا تَسْبِقُوني بالرُّكُوعِ، ولا بالسُّجُودِ، ولا بالقِيَامِ، ولا بالانْصِرَافِ؛ فإنِّي أَرَاكُم مِن أمَامِي، ومِن خَلْفي". ثم قالَ: "والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لو رأيتُم ما رَأَيْتُ لَضَحِكْتُم قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُم كَثِيرًا". قالوا: يا رسولَ الله! وما رأيتَ؟ قال: "رأيتُ الجَنَّةَ والنَّارَ". م (١).


= قلت: اختلفوا في معنى الوعيد المذكور في الحديث. فقيل: هو مجازي؛ إذ الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة، ومتابعة الإمام، وربما يرجح هذا المجاز بأن التحويل في الصورة الظاهرة لم يقع مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام. ولكن هذا القول مردود من وجوه:
أولها: أن الحديث ليس فيه دليل علي وقوعه ولا بد، وإنما يدل علي تعرض فاعله له، وصلاحية فعله لوقوع ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء. قاله ابن دقيق العيد في "الإحكام" (١/ ٢٠٢).
ثانيها: قال ابن الجوزي: في الرواية التي عبر فيها بالصورة: هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة.
ثالثها: روى ابن حبان هذا الحديث (٢٢٨٣) بسند صحيح، ولكن بلفظ: "الكلب، بدلًا من لفظ: "الحمار". قال ابن حجر في "الفتح" (٢/ ١٨٤): "هذا يقوي حمله علي ظاهره ... ويبعد المجاز؛ لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار".
رابعها: ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل، وباللفظ الدال علي تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلًا: فرأسه رأس حمار. وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور، فلا يحسن أن يقال له: يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدًا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة. قاله ابن حجر.
(١) رواه مسلم (٤٢٦).