وقال ابن القيِّم في "تهذيب السنن" (٤/ ١١٩ - ١٢١): "وقوله في بعض ألفاظه: "فإن ذكاته ذكاة أمه"، ممَّا يبطل تأويل من رواه بالنصب، وقال ذكاة الجنين كذكاة أمه. وهذا باطل من وجوه: أحدها: أن سياق الحديث يبطله، فإنهم سألوا النبي - صَلَّى الله عليه وسلم - عن الجنين الذي يوجد في بطن الشَّاة: أيأكلونه أم يلقونه؟ فأفتاهم بأكله، ورفع عنهم ما توهموه من كونه ميتة: بأنَّ ذكاة أمه ذكاة له، لأنَّه جزء من أجزائها، كيدها وكبدها ورأسها، وأجزاء المذبوح لا تفتقر إلى ذكاة مستقلة. والحمل ما دام جنينًا فهو كالجزء منها، لا ينفرد بحكم، فإذا ذكيت الأم أتت الذكاة على جميع أجزائها التي من جملتها الجنين، فهذا هو القياس الجلي، لو لم يكن في المسألة نص. الثاني: أن الجواب لا بد وأن يقع عن السؤال، والصحابة لم يسألوا عن كيفية ذكاته، ليكون قوله "ذكاته كذكاة أمه" جوابًا لهم، وإنَّما سألوا عن أكل الجنين الذي يجدونه بعد الذبح، فأفتاهم بأكله حلالًا بجريان ذكاة أمه عليه، وأنه لا يحتاج إلى أن ينفرد بالذكاة. الثالث: أن أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - أعظم الخلق فهمًا لمراده بكلامه، وقد فهموا من هذا الحديث اكتفاءهم بذكاة الأم عن ذكاة الجنين، وأنه لا يحتاج أن ينفرد بذكاة بل يؤكل. قال عبد الله بن كعب ابن مالك "كان أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يقولون: إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه" وهذا إشارة إلى جميعهم. قال ابن المنذر: كان النَّاس على إباحته، لا نعلم أحدًا منهم خالف ما قالوه، إلى أن جاء النعمان، فقال: لا يحل، لأنَّ ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين. الرابع: أن الشريعة قد استقرت على أن الذكاة تختلف بالقدرة والعجز، فذكاة الصيد الممتنع: =
(٢) صحيح بشواهده. وإن كان عند الترمذي (١٤٧٦) بسند ضعيف. ⦗٤٦٨⦘ = لكن رواه أحمد (٣/ ٣٩)، وابن حبان (١٠٧٧) بسند حسن، وانظر "البلوغ" (١٣٤٣). قال الترمذي: "وفي الباب عن جابر، وأبي أمامة، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق".