الخامس: أن قوله "ذكاة الجنين ذكاة أمه" جملة خبرية، جعل الخبر فيها نفس المبتدأ. فهي كقولك: غذاء الجنين غذاء أمه، ولهذا جعلت الجملة لتتميم "إن" وخبرها في قوله "فإن ذكاته ذكاة أمه" وإذا كان هكذا لم يجز في "ذكاة أمه" إلَّا الرفع، ولا يجوز نصبه لبقاء المبتدأ بغير خبر، فيخرج الكلام عن الإفادة والتمام، إذ الخبر محل الفائدة، وهو غير معلوم. السادس: أنه إذا نصب "ذكاة أمه" فلا بد وأن يجعل الأول في تقدير فعل لينتصب عنه المصدر، ويكون تقديره: يذكى الجنين ذكاة أمه، ونحوه. ولو أريد هذا المعنى لقيل: ذكوا الجنين ذكاة أمه، أو يذكى، كما يقال: اضرب زيدًا ضرب عمرو، وينتصب الثاني على معنى: اضرب زيدًا ضرب عمرو، فهذا لا يجوز، وليس هو كلامًا عربيًا، إلَّا إذا نصب الجزءان معًا، وتقول: ذكاة الجنين ذكاة أمه، وهذا- مع أنه خلاف رواية النَّاس وأهل الحديث قاطبة- فهو أيضًا ممتنع، فإن المصدر لا بد له من فعل يعمل فيه، فيؤول التقدير إلى: ذكوا ذكاة الجنين ذكاة أمه، ويصير نظير قولك ضَربَ زَيْدٍ ضَرْبَ عَمْرو تنصبهما. وتقديره: اضرب ضرب زيد ضرب عمرو، وهذا إنَّما يكون في المصدر بدلًا من اللفظ بالفعل، إذا كان منكرًا، نحو ضربًا زيد, أي ضرب زيد. ولهذا كان قولك: ضربًا زيدًا: كلامًا تامًا، وقولك: ضرب زيد: ليس بكلامٍ تامٍ، فإن الأول يتضمن: اضرب زيدًا، بخلاف الثاني، فإنّه مفرد فقط فيعطي ذلك معنى الجملة، فأمَّا إذا أضفته، وقلت: ضرب زيد، فإنّه يصير مفردًا، ولا يجوز تقديره باضرب زيدًا، ويدل على بطلانه:- الوجه السابع: هو أن الجنين إنَّما يذكى مثل ذكاة أمه إذا خرج حيًا، وحينئذٍ فلا يؤكل حتَّى يذكى ذكاة مستقلة، لأنَّه حينئذٍ له حكم نفسه، وهم لم يسألوا عن هذا، ولا أجيبوا به فلا السؤال دل عليه، ولا هو جواب مطابق لسؤالهم، فإنهم قالوا: "نذبح البقرة، أو الشَّاةِ في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ فقال: كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه" فهم إنَّما سألوه عن أكله: أيحل لهم، أم لا؟ فأفتاهم بأكله، وأزال عنهم ما علم أنه يقع في أوهامهم، من كونه ميتة بأنه ذكي بذكاة الأم. ومعلوم أن هذا الجواب والسؤال لا يطابق: ذكوا الجنين مثل ذكاة أمه. بل كان الجواب حينئذٍ: لا تأكلوه إلَّا أن يخرج حيًا، فذكاته مثل ذكاة أمه، وهذا ضد مدلول الحديث، والله أعلم. وبهذا يعلم فساد ما سلكه أبو الفتح ابن جني وغيره في إعراب هذا الحديث، حيث قالوا: ذكاة أمه، على تقدير مضاف محذوف؛ أي ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كثير، وهذا إنَّما يكون حيث لا لبس، وأمَّا إذا أوقع في اللبس فإنّه تمتنع، وما تقدم كافٍ في فساده، وبالله التوفيق". أهـ.