للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُريد بالبَيْن الافتراقُ، وذلك مجازٌ عن الأمر البعيد، والمعنى: لقد تقطَّعت المسافة بينكم لطولها، فعبَّر عن ذلك بالبَيْن.

قلت: فظاهر كلام ابن عطية يؤذن بأنه فَهِمَ أنها بمعنى الوصل حقيقةً، ثم رَدَّه بكونِه لم يُسْمع من العرب، وهذا منه غير مرضٍ، لأنَّ أبا عمروٍ وأبا عبيد وابن جني والزهراوي والمهدوي والزجاج أئمة يُقبل قولُهم.

وقوله: "وإنما انتُزِع من الآية" ممنوعٌ، بل ذلك مفهوم من لغة العرب، ولو لم يكن ممن نقلها إلا أبو عمرو لكفى به.

وعبارته تؤذن بأنه مجاز، ووجه المجاز كما قاله الفارسي: "أنه لمَّا استعمل (بَيْن) مع الشيئين المتلابسين في نحو: بيني وبينك شركَةٌ، وبيني وبينك رحم وصداقة؛ صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمعنى الوصلة، وعلى خلاف الفرقة، فلهذا جاء لقد تقطَّع وصلكم". اهـ (١)

وإذا تقرَّر هذا فالقول بكونه مجازاً أولى من القول بكونه مشتركاً، لأنه متى تعارض الاشتراك والمجاز فالمجاز خير منه عند الجمهور".

ونقل السمين بعض ما قاله الفارسي في (الحجة) في توجيهه لهذا القراءة، ثم انتقل للوجه الثالث قائلاً: "الثالث: أنَّ هذا كلام محمول على معناه؛ إذ المعنى: لقد تفرق جمعكم وتشتَّت، وهذا لا يصلح أن يكون تفسير إعراب". اهـ (٢)


(١) الحجة للقراء السبعة (٣: ٣٥٩).
(٢) الدر المصون (٥: ٥٥).

<<  <   >  >>