للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يرد في القرآن البدء بالحمل على المعنى إلا في موضعٍ واحد (١) وهو قوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام: ١٣٩] (٢) فأنّثَ حملاً على معنى (ما) فقال: {خَالِصَةٌ} ثم راعى اللَّفظَ فَذَكَّرَ فقال: {وَمُحَرَّمٌ} (٣).

وقد يعتبر اللفظ ثم المعنى ثم اللفظ نحو: ... {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٧)} [لقمان] (٤)؛ روعي لفظ (مَن) أولاً في ثلاثة ضمائر في: {يَشْتَرِي} و {لِيُضِلَّ} و {وَيَتَّخِذَهَا}،


(١) ينظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (٢: ٣٤٢).
(٢) قيل: المراد بما في بطون الأنعام: ألبانها، وقيل: أجنتها، واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت (خالصة)؛ فقال بعضهم: أنثت لتحقيق المبالغة كقولهم: (نسّابة) و (علاّمة)، وقال آخرون: أنثت لتأنيث الأنعام، لأن ما في بطونها مثلها، فأنثت لتأنيثها. وقيل: أنث خالصة حملاً على معنى ما؛ لأن المراد بما في بطون هذه الأنعام: الأجنة. ينظر: معاني القرآن، للفراء (١: ٣٥٨)، تفسير عبد الرزاق (٢: ٦٧)، تفسير الطبري (١٢: ١٤٨)، البيان في إعراب غريب القرآن، للأنباري (١: ٢٩٠)، تفسير ابن كثير (٣: ٣٤٦).
(٣) قال مكي بن أبي طالب في الهداية إلى بلوغ النهاية (٣: ٢٢٠٤): "وهذه الآية تقدم الحمل فيها على المعنى فقال: (خالِصَة)، ثم حمل بعد ذلك على اللفظ فقال: (وَمُحَرَّمٌ) "، ونظَّره بقوله - تعالى-: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨] على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ويعقوب: (سَيِّئَةً) مؤنثةً منونةً؛ فقال: " قال أولاً (سَيئةً) فأنث وحمل على معنى (كل)، لأنها اسم لجميع ما تقدم مما نهى عنه من الخطايا، ثم قال بعد ذلك (مَكْروهاً)، فذكّر على لفظ (كل) "، ونظره أيضاً بقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: ١٢، ١٣]؛ قال: " فجمع الظهور حملاً على معنى (ما)، ووحّد الهاء حملاً على لفظ (ما) " اهـ. وقد جعل ابن عاشور هذا الأسلوب من باب التفنن، ينظر: التحرير والتنوير (١: ١١٧).
(٤) ينظر: حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك (١: ٢٢١).::

<<  <   >  >>