للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان: "الأصل في العطف بالواو مطابقة الضمير لما قبله في تثنية وجمع، وأمّا العطف بـ (أَوْ) فلا يعود الضمير فيه إلا على أحدِ ما سبق". اهـ (١)

وأصحاب هذا القول تكلفوا في تأويل ما جاء في قوله - تعالى-: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: ١٣٥]؛ ليوافق مذهبهم، فذكروا في ذلك عدة توجيهات، منها: أنَّ (أَوْ)

هنا بمعنى (الواو)، وقال آخرون: إن الضمير يعود على الغنى والفقر المدلول عليهما بلفظِ الغني والفقير، والتقديرُ: فاللَّهُ أولى بغِنى الغني وفَقْر الفقير، وقيل: الضمير يعود على الخصمين تقديره: إن يكنِ الخصمان غنياً أو فقيراً فالله أوْلى بهذين الخصمين (٢).

وهذا كله تكلف لا حاجة إليه، والأصل: الاعتماد على ظاهر الآية دون اللجوء للتقديرات.

والراجح: أنّ العطف بـ (أو) يجوز معه تثنية الضمير وتوحيده، وأقوى الوجهين: إعادة الضمير على أحد المتعاطفين، واختيار أحدهما دون الآخر إنما يكون بحسب الفائدة والأهمية.

ويدل على جواز تثنية الضمير ما جاء في قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: ١٣٥]؛ ويدل على ذلك أيضاً القراءة الشاذة في الآية: (انفضوا إليهما) (٣).

وقد أخطأ الذين أوّلوا ما جاء في القرآن ليوافق مذهبهم اللغوي والنحوي، فالقواعد إنما تُؤخذ من القرآن، ولا يُؤول ما جاء في القرآن ليوافق أقيسة اللغويين.


(١) تفسير أبي حيان (١: ٢٩٩).
(٢) ينظر: الدر المصون (٤: ١١٦)، تفسير الآلوسي (١٤: ٣٠٠).
(٣) وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن أبي عبلة. ينظر: تفسير الزمخشري (٤: ٥٣٧)، زاد المسير، لابن الجوزي (٤: ٢٨٥)، تفسير أبي حيان (١٠: ١٧٦)، الدر المصون (١٠: ٣٣٣).

<<  <   >  >>