للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليس السؤال في مثل هذا الموضوع في كونهم يتغيرون أم لا، وهل جعْل خليفة في الأرض يقتضي تغيرهم عن الحال التي هم عليها؟ بل هذا مِن صفاتهم الثابتة التي لا تتغير (١)، وقد ثبت بالأدلة أنهم متصفون بالطاعة الكاملة لله - تعالى-، والتسبيح بحمده، والسجود له، وغير ذلك من العبادات.

ومِن الأدلة على ذلك: قوله - تعالى-: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]، وقوله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠]، وقوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الشورى: ٥].

ثم إن قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} جملة اسمية، تدل على الدوام، أي: وصفهم الملازم لجبلتهم (٢)، أي: نحن الدائمون على التسبيح والتقديس.

٣ - السياق لا يدل على ذلك، والسياق يُعتَمَد عليه في الترجيح بين المحتملات (٣)، والسياق هنا لا يدل على أن معناها: ونحن نسبح أم نتغير، حيث قال بعد ذلك: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، فهذا يدل على أن سؤالهم كان عن الحكمة التي جهلوها فقط، ويبعد أن يكون جواباً لسؤال تقديره: نحن نسبح أم نتغير.

وسياق الآيات في هذا الموضوع فيه إثبات علم الله - سبحانه- (٤)، وإظهار جهلهم (٥): {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ٣٢]، فالآيات أثبتت جهلهم عندما جهلوا الأسماء، بينما ليس فيها ما يشير إلى تغيرهم.


(١) ينظر: تفسير أبي حيان (١: ٢٣١).
(٢) ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (١: ٤٠٦).
(٣) ينظر: الإمام في بيان أدلة الأحكام، للعز بن عبد السلام (ص: ١٥٩).
(٤) ينظر: فتح القدير، للشوكاني (١: ٧٥).
(٥) ينظر: تفسير الراغب الأصفهاني (١: ١٤٧)::

<<  <   >  >>