للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السمين في تضعيفه لهذا القول - وهو قول ابن عطية-: "وهذا مردودٌ بأنه يؤدِّي إلى الفصلِ بين أبعاضِ الصلةِ بأجنبي تقريرُه أنَّ (صداً) مصدرٌ مقدَّرٌ بأَنْ والفعل، و (أَنْ) موصولٌ، وقد جعلتم {وَالْمَسْجِدِ} عطفاً على {سَبِيلِ} فهو من تمام صلته، وفُصِل بينهما بأجنبي وهو {وَكُفْرٌ بِهِ}، ومعنى كونِه أجنبياً أنه لا تعلُّق له بالصلة". اهـ (١)

ورُدَّ على كلام مَن ضعّفه بوجهين:

أحدهما: أنّ الصدَّ عن سبيل الله والكفر به كالشيء الواحد في المعنى؛ فكأنه لا فصْل بالأجنبيّ بين {سَبِيلِ اللَّهِ} وما عُطف عليه.

الثاني: أنّ موضع قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ} بعد قوله: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إلا أنه قُدِّمَ عليه لِفَرْطِ العناية، كقوله - تعالى-: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] كان مِن حقِّ الكلام أن يقال: ولم يكن أحد كفوًا له، إلا أنّ فَرْطَ العناية أوجبَ تقديمه، فَكَذَا هاهنا (٢).

قال ابن عاشور: "والداعي إلى هذا الترتيب هو أن يكون نَظْمُ الكلام على أسلوب أدقّ مِن مُقْتَضَى الظاهر، وهو الاهتمام بتقديم ما هو أفظع مِن جرائمهم، فإنّ الكفرَ بالله أفظَعُ مِن الصدِّ عن المسجد الحرام، فكان ترتيبُ النَّظم على تقديم الأهم فالأهم، فإنَّ الصدَّ عن سبيل الإسلام يجمعُ مظالم كثيرة؛ لأنه اعتداء على الناس في ما يختارونه لأنفسهم، وجَحْدٌ لرسالة رسول اللَّه.


(١) الدر المصون (٢: ٣٩٣).
(٢) ينظر: تفسير الفخر الرازي (٦: ٣٨٩)، تفسير النيسابوري (١: ٥٩٧)، السراج المنير، للخطيب الشربيني (١: ١٤٠)، روح البيان، لإسماعيل حقي (١: ٣٣٤).

<<  <   >  >>