للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمّا ما قاله السمين والفراء (١) مِن قبله بأن الرياح مجموعة لم تأتِ مع العذاب أصلاً، والريح أتت في سياق الرحمة والعذاب: فهذا الكلام أدق مِن سابقه إلا أنه ينتقض بقراءة أبي جعفر: (قاصِفًا مِن الرياح) (٢) [الإسراء: ٦٩] بالجمع في سياق العذاب.

والصواب أنّ القول بأن الريح تأتي مفردة مع العذاب ومجموعة مع الرحمة لا يثبت حتى كقاعدة أغلبية؛ نظرًا لأن اختلاف القراء العشرة في هذه اللفظة لم يكن في مواضع قليلة بل كان في أكثر من أحد عشر موضعًا، ولا ينبغي أن نُقعّد قاعدة في ألفاظ القرآن اعتمادًا على بعض القراءات الصحيحة دون بعضها الآخر.

والأصوب أن تُجعل هذه القاعدة على قراءة حفص وحده دون التعميم، فيُقال: على قراءة حفص: كل ما جاء من لفظة (الريح) مفردًا فهو في سياق العذاب، وما جاء مجموعاً فهو في سياق الرحمة، باستثناء ما جاء في آية يونس: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}، وذلك الإفراد جاء لعلة وحكمة - سبق ذكرها-.

علمًا بأنّ هناك مواضع وردت فيها هذه اللفظة مفردة ومجموعة في سياقات أخرى غير الرحمة والعذاب، كسياق الأمثال، كما في قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: ٤٥]، وقوله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١].

* * *


(١) ينظر: معاني القرآن (٢: ٢٦٩).
(٢) قرأ أبو جعفر بالجمع: (الرياح)، وقرأ الباقون بالإفراد: (الريح)، والقراءتان صحيحتان. ينظر: تفسير القرطبي (١٠: ٢٩٣)، تفسير أبي حيان (٧: ٨٣)، النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (٢: ٢٢٣).

<<  <   >  >>