للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن تجعل (لا) غير مزيدة، والمعنى: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينهى قريشاً عن عبادة الملائكة، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح، فلما قالوا له: أنتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه اللَّه، ثم يأمر الناس بعبادته، وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء". اهـ (١)

ثانياً: سبب تخطئه ابن عطية لتوجيه الطبري:

قال أبو حيان: "ووجهُ الخطأ أنه إذا كان معطوفاً على {يَقُولَ} كانت (لا) لتأسيس النفي، فلا يمكن إلا أن يُقدَّرَ العاملُ قبل (لا) وهو (أَنْ)؛ فَيَنْسَبِكُ مِنْ (أَنْ) وَالْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ مَصْدَرٌ مُنْتَفٍ فيصيرُ المعنى: ما كان لبشرٍ موصوف بما وصف به انتفاء أمره باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، وإذا لم يكن له الانتفاءُ كان له الثبوت، فصار آمِرًا باتخاذهم أرباباً وهو خطأ، فإذا جعلتَ (لا) لتأكيد النفي السابق كان النفي منسحباً على المصدرين المقدر ثبوتهما، فينتفي قوله: كونوا عِباداً لي، وأمرهُ باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، ويوضح هذا المعنى وضع (غير) موضعَ (لا) فإذا قلت: ما لزيد فقه ولا نحو؛ كانت (لا) لتأكيد النفي وانتفى عنه الوصفان، ولو جعلت (لا) لتأسيس النفي كانت بمعنى غير، فيصير المعنى انتفاء الفقه عنه وثبوتَ النحو له، إذ لو قلت: ما لزيد فقه وغيرُ نحو؛ كانَ في ذلك إثبات النحو له، كأنك قلت: ما له غيرُ نحو، ألا ترى أنك إذا قلت: جئتُ بلا زادٍ؛ كان المعنى: جئت بغير زادٍ، وإذا قلت: ما جئت بغير زادٍ، معناه: أنك جِئت بزاد؛ لأنَّ (لا) هنا لتأسيس النفي، فإطلاق ابن عطية الخطأ وعدمَ التئام المعنى إنما يكون على أحد التقديرين، وهو أن تكون (لا)


(١) تفسير الزمخشري (١: ٣٧٨).

<<  <   >  >>