للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وحجَّ ابن المحب سنة ٢٤ فسمع من أبي حيان أناشيد، فقرأ عليه هذه الأبيات، فقال: قد كشطتها من ديواني ولا أذكره بخير.

فسأله عن السبب في ذلك فقال: ناظرته في شيء من العربية، فذكرت له كلام سيبوبه، فقال: يفشر سيبويه!

قال أبو حيان: وهذا لا يستحق الخطاب.

ويقال: إن ابن تيمية قال له: ما كان سيبويه نبي النحو ولا معصومًا، بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعًا ما تفهمها أنت، فكان ذلك سبب مقاطعته إياه وذكره في تفسيره (البحر) بكل سوء، وكذلك في مختصره (النهر) (١) .

ورثاه شهاب الدين بن فضل الله بقصيدة رائية مليحة، وترجم له ترجمة هائلة تنقل من المسالك إن شاء الله تعالى، ورثاه زين الدين بن الوردي بقصيدة لطيفة طائية.

وقال جمال الدين السرمري في أماليه: ومن عجائب ما وقع في الحفظ من أهل زماننا أن ابن تيمية كان يمر بالكتاب يطالعه مرة، فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه.

وقال الأقشهري في رحلته في حق ابن تيمية (٢) : ((بارع في


(١) نصوص شيخ الإسلام وأقواله لا تشهد لمتن هذه القصة وخاصة قوله: ((يفشر سيبويه)) ! فحال شيخ الإسلام مع سيبويه لا يخرج عن أمور وهي:

إما تعظيمه وثناؤه لسيبويه ولكتابه، فكان يقول رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (٩ / ٤٦) : ((سيبويه الذي ليس في العالم مثل كتابه وفيه حكمة لسان العرب)) ويقول في (١٢ / ٤٦٠) : ((سيبويه حكيم لسان العرب)) ، ويقول في (١١ / ٣٧٠) : ((إن كتاب سيبويه في العربية لم يصنف بعده مثله)) ، ويقول في النبوات ١ / ١٧٢: ((كتاب سيبويه ممّا لا يقدر على مثله عامّة الخلق)) ، وإما ضرب المثل به وبخضوع غيره من النحاة له لكماله في فنه كما في شرح الأصفهانية ص ١٢١، وإما بالنقل عنه في المسائل النحوية والاستدلال بكلامه والاعتماد على ما يقول، انظر على سبيل المثال: مجموع الفتاوى (١١ / ٢٠٢) ، (١٦ / ١٣) .
وأما ذكر أبي حيان له بكل سوء في البحر المحيط، فالباحث لا يجد (بعض) سوء حتى يكون هناك (كل) ؛ فإن أبا حيان لم يذكر شيخ الإسلام في تفسيره بتاتاً؛ إلا أن يكون هو المعاصر الذي أشار إليه في كلام جرى له معه قال فيه إن علم التفسير مضطر إلى النقل وأن كل آية قد نُقل فيها تفسير الخلف عن السلف، فقال أبو حيان (١ / ٥) : ((هذا كلام ساقط)) ، مع أن شيخ الإسلام ذكر أن التفسير يؤخذ من طريقين وهما النقل واللغة. انظر: مجموع الفتاوى ١٣ / ٢٠١.
وأما مختصر البحر وهو " النهر " فلم يرد في طبعته الأولى - المحققة على ((أصول معتمدة معول عليها مأثورة عن فحول العلماء)) كما في صفحة العنوان - أي ذكر لشيخ الإسلام، ولكن ورد في الطبعة الثانية - التي قال المقدمان عن نسختهما التي اعتمدا عليها بخط الأشموني المتوفى سنة ١١٩٧ هـ (١ / ٥) : ((لسنا ندعي أن هذه النسخة مضبوطة)) - في موضع واحد (١ / ٢٥٤) اسم أحمد ابن تيمية في فقرة تنسب لشيخ الإسلام أموراً تنافي منهجه رحمه الله بعبارات لا يقول بمثلها شيخ الإسلام: ((أن الله يجلس على العرش وقد أخلى منه مكاناً)) . وانظر للفائدة: درء تعارض العقل والنقل (٥ / ٢٣٧) .
(٢) هذا الكلام الآتي هو من منقول الحافظ ابن حجر وليس هو من قوله، وإنما هو نص طويل نقله ابن حجر في الدرر الكامنة عن الأقشهري يبدأ من (ص١٦٣) ، وينتهي في (ص١٦٦) من نفس الكتاب، وسبب التنبيه على ذلك هو اقتصاص بعضهم وحذفهم لاسم القائل ناسبين القول للحافظ ابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>