للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم يُسْتَغْنَى عن الحرس؛ لأنه ليس من أركان الحج ولا من واجباته ولا من سننه.

[نتيجة ما تقدم في إبطال زعم الرافضي]

زعم الرافضي العاملي أن ابن تيمية أول من أثبت ما ذكر من صفات الله تعالى بدون تأويل، وتبعه بعض تلاميذه ثم الوهابية، وأنهم خالفوا في ذلك جميع المسلمين، وهذا كذب وافتراء وتضليل لعوام أهل السنة، وتمهيد إلى جذبهم إلى الرفض الذي من أصوله تعطيل صفات الله تعالى بالتأويل وجعله عز وجل كالعدم (١)

، تعالى الله عما يقول المبتدعون علوًّا كبيرًا، فما من صفة من تلك الصفات إلا وهي منصوصة في القرآن أو في الأحاديث النبوية الصحيحة، ولعل كل قارئ للقرآن أو سامع له من المسلمين قد قرأ أو سمع قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: ١٠) وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص: ٧٥) (٢)

وزعم الرافضي أن ابن تيمية يثبت لله تعالى يمينًا وشمالاً، ونصوصه تدل على أنه يتبع نصوص الكتاب والسنة، وإنما ثبت فيهما لفظ اليدين، ولفظ اليمين في قوله تعالى: {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: ٦٧)


(١) إذا نظرنا إلي أبرز علماء الاثنا عشرية فسنجد أن أبرز المتقدمين يُعتبرون من المشبهة الذين يُشبهون الخالق بالمخلوق، وقد سبقت الإشارة إلى أقوال أبرزهم مثل زرارة وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وغيرهم، ويقول الشريف المرتضى في رسائله (٣ / ٣١٠) : ((معظم الفقه وجمهوره لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة اما أن يكون أصلا في الخبر، أو فرعا، راويا عن غيره، ومرويا عنه والى غلاة، وخطابية، ومخمسه، وأصحاب حلول كفلان وفلان ومن لا يحصى أيضا ذكره، والى قمي مشبه مجبر، وأن القميين كلهم من غير استثناء أحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه بالأمس كانوا مشبهة، مجبرة وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به، فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها، واقف، أو غال، أو قمي مشبه مجبر)) .
وتقول رواية في "التوحيد لابن بابويه ص١٠١-١٠٢" عن سهل قال: ((كتبت إلى أبي محمد - يعني إمامهم المنتظر - قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد؛ منهم من يقول: هو جسم، ومنهم من يقول: هو صورة)) .

وبدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة؛ حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل البارئ سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الاتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة، ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقًا، إلا في ناحية مهمة وهي: أنه بعد نفي صفات الله سبحانه تم إلصاق أسماء الله تعالى وصفاته بالأئمة، وهذا الإلصاق يتفقون فيه مع متقدمي أصحابهم الإمامية، وقد ذكر المجلسي في بحار الأنوار٢٤/١٩١-٢٠٣ستًا وثلاثين رواية تقول إن الأئمة هم وجه الله ويد الله ولسان الله وعين الله ونحو ذلك، ويروون عن أبي جعفر في قوله تعالى " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" قال: إن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته" (الكافي ١/١١٣ كتاب التوحيد: باب النوادر) ، ولا ندري ما الفرق بين من يقول كما في رجال الكشي ص١٨٤: ((وأنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن)) وبين فرعون الذي قال: ((أنا ربكم الأعلى)) ؟!
ثم كذلك فعلوا مع أسماء الله الحسنى فنفوها وما تستلزمه من الصفات العلى وردوا جميعها إلى معنى العلم والإدراك فقالوا: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. . . إلخ أسمائه سبحانه التي أرجعوها إلى معنى العلم والإدراك، ثم لم يكتفوا بذلك حتى نقلوا عن الأئمة أنهم يقولون: إن الأسماء الحسنى الواردة في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف، آية: ١٨٠.] هي الأئمة، ويروون عن أبي عبد الله أنه قال: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل من أحد إلا بمعرفتنا، قال: {فَادْعُوهُ بِهَا} تفسير العياشي: ٢/٤٢، تفسير الصافي: ٢/٢٥٤-٢٥٥، البرهان: ٢/٥١.
ويلزم من وصف الأئمة بأنهم أسماء الله الحسنى بأن يكون الحسين متكبرا لأن المتكبر من أسماء الله. فهل وصفهم بأنهم أسماء الله الحسنى فيه مدح لهم أم فيه طعن فيهم؟ كما أن الله هو الخالق فيلزم منه أن يكون الإمام هو الخالق، الله هو الإله فيلزم أن يكون الإمام هو الإله، وقد قالها الغلاة في قوله تعالى {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد} أي لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد» (تفسير العياشي٢/٢٦١ بحار الأنوار٢٣/٣٥٧ و٢٧/٣٣ مستدرك سفينة البحار١/١٧١) مرآة الأنوار للعاملي ص٢٠٢، فانظر كيف بلغ بهم الغلو حتى صار معنى الإله هو الإمام!
والخلاصة: أن قولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل، فإنهم يمثلون الله تعالى بالممتنعات والمعدومات والجمادات، ويعطلون الأسماء والصفات تعطيلاً يستلزم نفي الذات ويجعلونها للأئمة. انظر: الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) أولاً: إن المتقرر عند أهل السنة والجماعة - بل وعند عامة العقلاء - أن أي صفة أُضيفت إلى أي شيء فإنها تكون صفة مناسبة لحال هذا الشيء الذي أضيفت إليه.
ولذلك فإن أضيفت اليد إلى الباب مثلاً أو إلى إنس أو جن كانت يداً مناسبة بحال الباب أو بحال الإنس أو الجن مثلاً، وأما إذا أضيفت الصفة إلى من {ليس كمثله شيء} كانت كذلك صفة ليس كمثلها صفة.
ثانياً: إن دلالات القرآن والسنة على إثبات صفة اليدين لله تعالى قد تنوعت بما يمتنع معه حمل اليدين على المجاز، كصيغة التثنية في قوله تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} والتي هي صيغة دقيقة؛ لأنها تدل على العدد والنوع دلالة قطعية فلا يجوز أن يُعبَّر باليدين وهي صيغة تثنية عن القدرة التي هي صفة واحدة. انظر: مجموع الفتاوى ٦ / ٢١٩، دراسات في اللغة والنحو د. عدنان محمد ص ٨٨.
وكدلالة وقوع اليد في هذا السياق الذي أضاف سبحانه فيه الفعل إلى نفسه ثم تعدى الفعل إلى اليد بالباء التي هي نظير كتبت بالقلم وهي اليد ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه من الوجوه. وانظر: الإيضاح لأبي الحسن الزاغوني ص ٢٨٦، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم ٣ / ٩٥١ ط: أضواء السلف، الإبانة لأبي الحسن الأشعري ص ١٠٦.
ومن الدلالات جعل ذلك خاصة خص بها صفيه آدم دون البشر كما قال أبو إسحاق ابن شاقلا لمناظره المعطل: ((سويت بين آدم وسواه، فأسقطت فضيلته)) . انظر: طبقات الحنابلة تحقيق العثيمين، والمصادر السابقة.

إضافة للنصوص الأخرى التي فيها استعمال لفظ اليمين ووصفها بالقبض والطي [سورة الزمر: ٦٧] ، ووصفها بالبسط [المائدة: ٦٤] وصحيح مسلم (٢٧٥٩) ، ووصفها بالكف والأخذ كما في مسلم (١٠١٤) : ((ما تصدق أحد بصدقة من طيب ... إلا أخذها الرحمن بيمينه ... ، فتربو في كف الرحمن ... )) إلخ، ووصفها بالنضح كما في حديث عند أحمد في المسند (٤ / ١٣) : ((فيأخذ ربك بيده غرفة من ماء فينضح بها قِبَلَكم)) ، وصفها بأنها ملأى وبأنها أخرى كما في البخاري (٧٤١١) ومسلم (٩٩٣) : ((يد الله ملأى ... وبيده الأخرى الميزان)) . وانظر: مختصر الصواعق المرسلة ٣ / ٩٤٦ - ٩٥٠.
ثالثاً: إن من القواعد المهمة في الرد على المعطلة لهذه الصفة الجليلة أن القول في الذاات كالقول في الصفات، وأن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر ولذلك جاء في الإبانة لأبي الحسن الأشعري رداً على المعتزلة قائلاً: ((لم نجد حياً من الخلق، إلا جسماً لحماً ودماً، فاقضوا بذلك على الله عز وجل، وإلا فأنتم لقولكم متأولون ولاعتلالكم ناقضون، وإن أثبتم حياً لا كالأحياء منا، فلم أنكرتم أن تكون اليدان اللتان أخبر الله عز وجل عنهما، يدين ليستا نعمتين لا جارحتين ولا كالأيدي؟)) ، وقد ناقشت بعض الأشاعرة فلم يجدوا من هذه القاعدة بإلزامهم بصفة السمع التي يقول الأشاعرة إنهم يثبتونها لله؛ فإننا لا نتصور سمعاً إلا بآلة تكون محلاً يصل إليه الصوت المسموع، فلم يستطع أحد منهم الفكاك من هذا الإلزام بحمد الله. وانظر: اعتقاد أهل السنة للحافظ أبي بكر الإسماعيلي ص ٧٤ (بتحقيق: جمال عزون) ، مختصر العلو للذهبي (مقدمة الشيخ الألباني ص ٤٥ - ٤٦ فصل من كلام الخطيب البغدادي) ، الرسالة التدمرية (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٣ / ١٧) .
فهذا هو موقف أهل السنة، أما الجهمية ومن سار خلفهم من الفِرق فعطلوا الصفة وقالوا بما حكاه الترمذي عنهم ونقلناه في حاشية سابقة، وأما الغلاة الاثني عشرية فيروون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو يد الله (الكافي ١/١٤٥) ، مع أن الله سبحانه هو الذي يقول {يا أبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} فعلى هذا من يكون الذي خلق آدم إذن؟! كما يلزم من وصفهم هذا لعلي رضي الله عنه وصف يد الله بالضعف؛ لأنه يقال لهم: ماذا فعلت يد الله عندما ضُربت فاطمة حسب ما يعتقد أغلب الاثنا عشرية؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>