للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن لعلي فضلٌ إلا من فضله، حيث زعم أنه لولاه لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب الدين والدولة، وهلكت الأمم وانقرضت؟ فجعل له المنة وحده على رسول الله وعلى دينه وعلى جميع خلقه بما افتراه من ثباته وحده معه!

ولو ثَبَتَ ثباتُه وَحْدَه لما اقتضى كل هذه المنن؛ فإن النصر لم يكن بمن كان معه صلى الله عليه وسلم أولاً، بل بفضل الله ثم تأييده، وبعود المهاجرين والأنصار إلى القتال (١) ، وإنزال ملائكته لتثبيتهم في مواقف النزال.

ألم يؤمن بقول الله تعالى له صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (٢) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} فكيف يسلط عليه من يقتله؟

أو لم يعلم بأن أفراداً وجماعات قصدوا قتله صلى الله عليه وسلم مراراً فعصمه الله منهم ولم يكن علي معه؟

ألم يؤمن بما ثبت في الكتاب والسنة من وعد الله لرسوله بالنصر وإظهار دينه على الدين كله، ومن إيعاد أعدائه بالخدلان؟

ومن ذلك جزمه صلى الله عليه وسلم بأن ما جمعته هوازن لقتاله صلى الله عليه وسلم في حنين


(١) أقول: ورد في رواية نقلها صاحب بحار الأنوار (٢١ / ١٥٠ - ١٥١) عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه (لما انهزم الناس يوم حنين: ((اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد)) فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون: لبيك ... ) .
وهذه العبارة النبوية - وإن كانت ثابتة في غزوة بدر الكبرى وليس في هذا الموطن في حنين - إلا أن المراد من إيرادها - زيادةً على أثر عودة المقاتلين على سير المعركة - توجيه تساؤل للشيعة المتهمين لعامة الصحابة بالنفاق والارتداد عن الدين مفاده: أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء قد ربط بين استمراريةٍ هذا الدين واستمرارٍ عبادة الله، وبين بقاء هذه العصابة المباركة من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين الذين شملهم هذا الدعاء بأجمعهم، فهل استثنى منهم أحداً؟ وهل دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بأن يُبقي مجموعة من المرتدين أو المنافقين؟! وكيف يربط بين عبادة الله واستمراريتها بمجموعة من الكفرة المرتدين؟! ثم كيف يعقل أن يكون الكفرة المرتدون هم المؤتمنون على نقل الدين واستمرارية عبادة الله تعالى في الأرض؟!
أما أهل السنة والجماعة فيقولون: حاشاهم رضي الله عنهم عن تلك الأوصاف، فمثل هذا الدعاء النبوي فيه دليل على عدالتهم وإسلامهم، وأن عبادة الله سبحانه إنما يؤديها وينقلها المؤمنون على رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
(٢) الأخبار مستفيضة في أن الآية هكذا نزلت {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} كما يقول نعمة الله الجزائري وغيره من أكابر علماء الإمامية الذين استوعب كثيراً من كلامهم شيخهم الموصوف عندهم بثقة الإسلام الأجل وهو النوري الطبرسي في كتابه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".

<<  <  ج: ص:  >  >>