والحكمة، نقول: إن ما هذى به الروافض من صحبة المؤمن للكافر ونحوها إنما يصح في الصحبة الاتفاقية العارضة، كصحبة يوسف لمن كان معه في السجن، والرجلين الذين ضرب المثل بهما في سورة الكهف، دون صحبة المودة ولا سيما الدائمة.
وذلك أن صحبة المودة الاختيارية لا تكون إلا بين المتشاكلين في الصفات والأفكار كما يدل عليه حديث:((الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)) رواه أحمد [٢ / ٢٩٥] ، والبخاري [٣٣٣٦] ، ومسلم [٢٦٣٨] وغيرهم.
وقد تعارفت رُوحا النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر من قبل الإسلام فائتلفتا، وزادهما الإسلام تعارفا وائتلافا، حتى إنهما لم يفترقا في وقت من الأوقات، ولا في طور من الأطوار، وقد مهد صلى الله عليه وسلم السبيل لاجتماع قبريهما إذ أرشد الأمة إلى دفنه في بيت عائشة الصديقة رضي الله عنها، وهو يعلم أنها لابد أن تدفن والدها بجانبه. (١)
وعلماء التربية والأخلاق يعدون الصحبة والمعاشرة ركنا من أركان اقتباس كل من الصاحبين من الآخر، فيحثون على صحبة الأخيار ويحذرون من صحبة الأشرار، قال الشاعر الحكيم:
(١) أقول: ولو نظرنا إلى قضية دفن الشيخين أبي وعمر رضي الله عنهما بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرنا من جهة أخرى إلى قضية موقف علماء الإمامية من الشيخين رضي الله عنهما، لكان الأمر اللازم بناءً على هاتين القضيتين أن يكون الرجس مصاحباً للنبي صلى الله عليه وسلم ليس في حياته فحسب، بل استمر الرجس بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبجواره حتى بعد وفاته وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه؛ حيث جاوره في قبره رجلان أخس وأنجس من الكلاب الممطورة كما يزعم أولئك القوم!