وأما لشيعة الاثني عشرية يفرقون بين أهل البيت وآل البيت والعترة ويختلفون في كل ذلك اختلافا كثيرا، فالمفيد بنص في كتابه " الثقلان " ص١٠ - ١٢ على أن المراد بالعترة: بنو هاشم بإجماع الشيعة، ويؤكد ذلك بقوله: ((لو كان المراد بالعترة الذرية دون الأخوة والعمومة وبني العم لخرج أمير المؤمنين من العترة لخروجه من جملة الذرية، وهذا باطل بالاتفاق)) ، وبعضهم يقول إن العترة هم أولاد فاطمة رضي الله عنها وبعضهم يقصرها على الحسن والحسين رضي الله عنهما خاصة. (٢) أول من اشتهر عنه القول بنفي بنوة بنات النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو القاسم الكوفي (ت ٣٥٢ هـ) في كتابه "الاستغاثة من بدع الثلاثة " لينفي عن عثمان رضي الله عنه منقبة تزوجه ببنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تلقف هذه الدعوى منه بعض المتأخرين كنعمنة الله الجزائري وصار هو قول عامة الاثنا عشرية الذي لا يعرف حتى عوامهم غيره كما نسمع ونرى. وقد تصدى للرد على هذه الدعوى فأجاد وأفاد أبو معاذ السيد بن أحمد في كتاب " زينب ورقية وأم كلثوم بنات النبي صلى الله عليه وسلم لا ربائبه " وهو من مطبوعات مبرة الآل والأصحاب في دولة الكويت جزى الله القائمين عليها خير الجزاء. (٣) وقد أورد الكشي في رجاله ص ٥٢ - ٥٤ عدة روايات تطعن في عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أولاده، منها: تحت عنوان دعاء علي على عبد الله وعبيد الله ابني عباس عن أمير المؤمنين قال: ((اللهم العن ابني فلان - يعني عبد الله وعبيد الله كما في الهامش - وأعم أبصارهما كما أعميت قلوبهما الأجلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبهما)) ، وقال: ((ولم يبق معي من أهل بيتي أحد أطول به وأقوى، أما حمزة فقتل يوم أحد، وجعفر قتل يوم مؤتة، وبقيت بين خلفين خائفين ذليلين حقيرين، العباس وعقيل)) وهذه الرواية في "الأنوار النعمانية للجزائري، "مجالس المؤمنين" ص٧٨ ط إيران القديم ". ... ويروي الكشي أيضاً عن علي بن الحسين أنه قرأ: (( {من كان في هذا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} ، نزلت في العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم)) ، وأن الآية في قوله تعالى (( {لبئس المولى ولبئس العشير} : نزلت فيه)) . وانظر: الشيعة وأهل البيت ص٢٦٧. (٤) انظر: اللوحة المصورة والمُلحقة في آخر الكتاب بعنوان الزبير في بيت النبوة. (٥) من هذه الطعون رد الطوسي روايات زيد بن علي بن الحسين كما في الاستبصار: ١/٦٦، كما كفروا كل من خرج وادعى الإمامة من آل البيت (ما عدا الأئمة الاثني عشر عندهم) . (أصول الكافي: ١/٣٧٢ رقم ١، ٣) . وفي بحار الأنوار ٤٦ / ١٩٤ عن حنان بن سدير قال: ((كنت جالساً عند الحسن بن الحسين فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ فإن زيداً كان يشربه عندنا؟ قال: ما أصدق على زيد أنه شرب مسكراً. قال: بلى قد يشربه. قال: فإن كان فعل فإن زيدا ليس بنبي ولا وصي نبي إنما هو رجل من آل محمد يخطىء ويصيب)) . نقلاً عن رجال الكشي ص ١٥١. وزيد لما خرج في ثورته خرج منكراً وغير مؤمن بوجود نص على إمام مفترض الطاعة، ودونك هذه الرواية - التي صحح المجلسي سندها - من كتب الاثنا عشرية تؤكد ذلك: ((قيل لمؤمن الطاق: ما الذي جرى بينك وبين زيد بن علي في محضر أبي عبد الله؟ قال: قال زيد بن علي: يا محمد بن علي، بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة؟ قال: قلت: نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، فقال: وكيف وقد كان يؤتي بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق عليَّ من حرِّ اللقمة ولا يشفق علي من حر النار)) . وفي رواية: قال زيد: ((ويحك! فما كان يمنعه من أن يقول لي؟! فوالله لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أفتراه كان يشفق عليِّ من حرِّ الطعام ولا يشفق عليِّ من حرِّ النار)) . ثم يكمل الرواية بردٍّ باهت على كلام زيد رحمه الله، فيقول مؤمن الطاق - كما يسميه الاثنا عشرية - معللا عدم إخبار علي بن الحسين ولده زيداً بذلك النص لخشيته عليه من عدم القبول وأنه إن لم يقبل النص فسيدخل النار والعياذ بالله فيقول: ((خاف عليك ألا تقبل فتدخل النار، وأخبرني أنا فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار)) . وهذا الكلام باطل، إذ يلزم من هذا ألا يخبر بقية أهل البيت أولادهم ولا أعمامهم ولا أخوالهم ولا باقي أقاربهم بأصل من أصول الدين - يفوق النبوة من حيث المنزلة وإنكاره شر من نكار النبوة كما يقول الحلي- خشية ألا يقبلوا فيدخلون النار! وهكذا لا ينتهي هذا المسلسل من الطعن في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم! ثم يذكر مؤمن الطاق أنه استدل على جواز كتمان ذلك بقوله: ((قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً} لم يخبرهم حتى لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خافَ عليك، يعني: أن لا تقبل وتدخل النار)) . أقول: إن جواب مؤمن الطاق - كما يسيه الاثنا عشرية - من خلال هذه المقارنة لهو من أعجب ما يكون من المغالطة، بل إن هذه المقارنة - والتي لا تصدر إلا عن قاصر في العلم، ولا تروج إلا على جاهل - وانقطاع زيد عن الجواب هو بحد ذاته طعن في زيد وفي علمه؛ إذ كيف يقارن كتمان أصل من أصول الدين يفوق النبوة من حيث المنزلة - بل ويفوق إنكاره إنكار النبوة كما يقول العلامة الحلي في الألفين (١ / ٣) - بكتمان تلك الرؤيا من يوسف عليه السلام التي لا يعتبر العلم بها من أصول الدين؟! والأدهى من ذلك والأَمَر - في حق زيد بن علي - هو انقطاع زيد وعجزه عن الجواب عليه كما أشارت إليه الرواية في الكافي للكليني (١ / ١٧٤) ، والله المستعان. ولما رد الأميني على المؤلف في موقف الاثنا عشرية من زيد رحمه الله أعرض عن كل ما سبق وعن غيره، واستشهد بروايات تثبت لزيد رحمه الله منزلة عظيمة تناقض ما سبق من الطعن، إلا أن تلك الروايات التي أوردها الأميني حول الموضوع تثير تساؤلات تأخذ من القارئ مأخذا: وهو: كيف لرجل مثل زيد بن علي رحمه الله وهو بهذه المنزلة العظيمة أن يدعي الإمامة وهو من أهل البيت، وابن إمام من الأئمة الاثني عشر الذين نصَّ الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم بأسمائهم بزعم القوم، ومع ذلك يطالب بالإمامة ويسعى لها، ولذلك قال له مؤمن الطاق - كما يروي الاثنا عشرية -: ((إن كان لله عز وجل في الأرض معك حجة فالمتخلف عنك ناج، والخارج معك هالك)) ، وقال أبو خالد القماط لأحد الزيدية: ((إن كان أحد في الارض مفروض الطاعة، فالخارج قِبَلَه - يعني زيداً - هالك)) وأقرهما جعفر الصادق جميعاً على ذلك. انظر: رجال الكشي ص ٢٥٩، وبحار الأنوار (٤٢ / ١٩٧) . ولاشك أن أول ما سيحتج به القوم هو القول بالتقية، ولن نناقش القوم في هذا، ولكن من أولى بالتقية: أهو زيد رحمه الله الذي لا يملك اختيار موته، وليس مأموراً بما أمر الله عز وجل الصادق به -كما يزعم القوم- أم الصادق؟ (٦) نقل الأميني في رده على المؤلف روايات تثنى على إبراهيم بن جعفر، ولكنه أعرض عما نُسب إليه من قولُه بالوقف في إمامة أخيه وحسده له والاعتقاد بأن والده حي لم يمت، فروى الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السّلام) بإسناده عن بكر بن صالح، قال: قلتُ لإبراهيم بن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: ما قولُك في أبيك؟ قال: هو حيّ. قلتُ: فما قولك في أخيك أبي الحسن؟ قال: هو ثقة صدوق. قلتُ: فإنّه يقول إنّ أباك قد مضى. قال: هو أعلم بما يقول. فأعَدتُ عليه فأعاد عليّ. قلتُ: فأوصى أبوك؟ قال: نعم. قلت: إلى مَن أوصى؟ قال: إلى خمسةٍ منّا، وجعل عليّاً المتقدّمَ علينا. عيون أخبار الرضا (١ / ٣٩ - ٤٠) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... وروى الكُليني في الكافي (١ / ٣٨٠ - ٣٨١) بإسناده عن عليّ بن أسباط قال: قلت للرضا عليه السّلام: إنّ رجلاً عنّى أخاك إبراهيم، فذكر له أنّ أباك في الحياة، وأنّك تعلم من ذلك ما يعلم. فقال: سُبحان الله! يموت رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ولا يموت موسى عليه السّلام؟! قد ـ واللهِ ـ مضى كما مضى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولكنّ الله تبارك وتعالى لم يَزَل منذ قَبضَ نبيّه صلّى الله عليه وآله هلمّ جرّاً يَمُنّ بهذا الدين على أولاد الأعاجم ويصرفه عن قرابة نبيّه صلّى الله عليه وآله هلمّ جرّاً، فيُعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء. لقد قضيتُ عنه (أي عن إبراهيم) في هلال ذي الحجّة ألف دينار بعد أن أشفى على طلاق نسائه وعِتق مماليكه، ولكنْ قد سمعتَ ما لقَي يوسف عليه السّلام من إخوته. وفي الحديث الأخير تعريض واضح بإبراهيم بن موسى، وعتب من الإمام الرضا عليه السّلام على إبراهيم وإخوته، وأنّه لقي منهم من الحسد ما لقيه يوسف عليه السّلام من إخوته. (٧) ونقلوا عن الكاظم أنه قال في حق أخيه عبد الله: ((يريد عبد الله أن لا يعبد الله)) . انظر: رجال الكشي (١٨٢) ، البحار الأنوار (٤٧/٢٦٣، ٣٤٣) .