وقد وضع الله تبارك وتعالى لنا قاعدة ذهبية في ذلك، قَلَّما يتنبه لها الكثيرون، ألا وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} فهذا إن وجب في حق آحاد المسلمين، فكيف بالصحابة رضي الله عنهم؟!
وقد قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية رضي الله عنه: أنت تنازع علياً! هل أنت مثله؟! فقال: ((لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا علياً فقولوا له: فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه)) . "تاريخ الإسلام للذهبي (عهد الخلفاء ص ٥٤٠) بسند صحيح " وعلى كل حال فإن المصنف ذكر عذا الرأي في مجلة المنار وقد قال في نهاية فتوى له حول الموضوع: ((وإنني على اعتقادي هذا لا أرى للمسلمين خيرًا في الطعن في الأشخاص والنبز بالألقاب واللعن والسباب، وإنما عليهم أن يبحثوا عن الحقائق ليعلموا من أين جاءهم البلاء فيسعوا في تلافيه مع الاتحاد والاعتصام والاقتداء بالسلف الصالح في حسن الأدب لا سيما مع الصحابة الكرام)) . مجلة المنار (٩ / ٢١٣) (٢) روى أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني، عن صخر بن جويرية، عن نافع، عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم قالوا لمحمد ابن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب. فقال لهم: ((ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة متحريا للخير يسأل عن الفقه ملازما للسنة)) . قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك. فقال: ((وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا)) . قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم: ((أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} ولست من أمركم في شيء)) . انظر: تاريخ الإسلام (حوادث ٦١-٨٠) ، وسير النبلاء ٤/٤٠، أنساب الأشراف ٣/٢٧٨-٢٧٩، البداية والنهاية ٩/٢٣٦. فظاهر هذه الرواية الثابتة عن ابن الحنفية رحمه الله أن يزيد لم يكن فيه شيء من ذلك الذي ادَّعى المؤلف وغيره أنه مشتهر عنه، دون أن يُثبتوه بسند صحيح، والعلم عند الله تبارك وتعالى، وهذا لا يهمنا فهو بينه وبين ربه سبحانه. (٣) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (١٥/٢٥٦- ٢٥٧، ٣٣٢) .