للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه.

ولما قدم غازان بجيوش التتر إلى الشام خرج إليه وكلمه بكلام قوي، فهمَّ بقتله ثم نجا واشتهر أمره من يومئذ. (١)

واتفق أن الشيخ نصرًا المنبجي كان قد تقدم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن عربي (٢) لأنه كان يعتقد فيه أنه مستقيم، وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه، فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابًا طويلاً نسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد (٣) فعظم ذلك عليهم، وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في قواعده وفتاويه، فذكر أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين وقال:


(١) لقد كان ذلك اليوم من الأيام التي أظهر الله سبحانه فيها فضل الشيخ وشجاعته وقوة قلبه وثباته رحمه الله، وكان من كلامه الذي قاله لغازان: أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاض وإمام وشيخ على ما بلغنا فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك هولاكو كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام، بل عاهدوا قومنا، وأنت عاهدتَ فغدرتَ وقلتَ فما وفيت. . .
ثم إن قازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه: ((اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلبا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمره وأقطع دابره)) . وقازان يؤمن على دعائه، ويرفع يديه.
قال أبو بكر البالسي رحمه الله - وهو ممن حضر هذا الموقف -: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله. انظر: البداية والنهاية ١٤ / ١٠٢، وقد أُشير في المرثيات التي قيلت في شيخ الإسلام إلى وقفته تلك كما في العقود الدرية ص ٤٤٧، ٤٩٣، ٥٠٠، ٥٠٣، ٥٠٥، ٥١٢، ٥١٧، ٥٢٩.
(٢) لعله سقط من هنا شيء. (ر)
(٣) قد نشرنا في المنار كتاب ابن تيمية للشيخ نصر هذا من قبل. (ر)

<<  <  ج: ص:  >  >>