(٢) تكرر معنى هذه الآية في ستة مواضع أخرى عدا هذه الآية، وهي: سورة الأعراف: ٥٤، سورة يونس: ٣، الرعد: ٢، الفرقان: ٥٩، سورة السجدة: ٤، سورة الحديد: ٤، قال ابن عبد البر في التمهيد ٧ / ١٣١: ((والاستواء معلوم في اللغة مفهوم وهو العلو والارتفاع على شيء)) ولذلك قال ربيعة ومالك وابن عيينة وغيرهم المقالة - التي تلقاها العلماء بالقبول - الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. (٣) والجهمية ومن وافقهم يقولون: لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل ... إلخ، والآية حجة عليهم، وزعم بعضهم أن الفوقية هنا هي فوقية الرتبة وهو زعم باطال؛ لأن الظروف لها أحوال ومنها (فوق، وتحت) ، فإذا دخل عليها حرف الجر (من) تعين فيها وجه واحد كقوله تعالى {وجعل فيها رواسي من فوقها} وقوله {فخر عليهم السقف من فوقهم} . انظر: إثبات علو الله على خلقه للشيخ أسامة القصاص رحمه الله وتقبله في الشهداء ص ٨٦، موسوعة أهل السنة للشيخ د. عبد الرحمن الدمشقية ص ٦٣٤. (٤) صفة المجيء لله تعالى يُثبتها أهل السنة على ما يليق بجلاله وعظمته كغيرها من الصفات العليا دون التعرض لها بتحريف لمعناها أو تمثيل بصفات المخلوقين أو تكييفها، قال محمد بن الحسن الشيباني: ((قال حماد بن أبي حنيفة: قلنا لهؤلاء - يعني الجهمية -: أرأيتم قول الله عز وجل {وجاء ربك والملك صفا صفا} ؟ قالوا: أما الملائكة فيجيئون صفا صفا، وأما الرب تعالى فإنا لا ندري ما عنى لذاك، ولا ندري كيفية مجيئه. فقلت لهم: إنا لم نكلفكم أن تعلموا كيف مجيئه، ولكنا نكلفكم أن تؤمنوا بمجيئه، أرأيت من أنكر أن الملك يجيء صفا صفا ما هو عندكم؟ قالوا: كافر مكذب. قلت: فكذلك إن أنكر أن الله سبحانه لا يجيء فهو كافر مكذب)) . عقيدة السلف للصابوني ١ / ١١٨، وانظر: تفسير ابن جرير الطبري ٣٠ / ١١٨ - ٢٢٠ والتبصير له أيضاً ص ١٤٨ - ١٤٩ ففيه مناقشة مفيدة لمن عطل هذه الصفة. (٥) إن الله سبحانه قريب في علوه، عالٍ في قربه، وقربه سبحانه ليس كقرب الأجسام أو المخلوقات بعضها من بعض تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإذا فُهم معنى اسم الجلالة (القريب) كما ينبغي، عُلم أنه لا منافاة بينه وبين أسماء الجلالة الدالة على علوه سبحانه وكمال مباينته لخلقه واستوائه على عرشه، بل إن ذلك يجامعه ويلازمه، والذي يسهل عليك هذا معرفة عظمة الرب وإحاطته بخلقه فهو سبحانه يقول: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} ، مع الأخذ بعين الاعتبار بذلك الأصل الثابت في الكتاب السنة وإجماع الأمة، وهو أن اللهّ تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته سبحانه. وانظر: مدارج السالكين ٢ / ٢٦٥. (٦) وهو حديث متواتر كما نص عليه العلماء كابن عبد البر في التمهيد ٧ / ١٢٨ والحافظ عبد الغني المقدسي كما في اعتقادات أئمة السلف ص ٨٠، أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا - كما نص عليه حديث من لا ينطق عن الهوى - بلا تكييف ولا تمثيل، فكما أنهم يؤمنون أن لله سبحانه إرادة ليست كإرادة المخلوقين وكلام ليس ككلامهم، فكذلك يؤمنون باستواء ونزول لا يشبه نزول المخلوقين، ومن أفضل ومن أوعب ما كتب عن صفة النزول لله عز وجل كتاب (صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها) للشيخ عبد القادر بن محمد الغامدي.
وبالمناسبة: فقد ورد في بعض الكتب الشيعية عن زيد عن عبد الله بن سنان قال: سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: ((إن الله ينزل في يوم عرفة في أول الزوال إلى الارض على جملٍ أفرقٍ، يصال بفخديه أهل عرفات يمينا وشمالا ولا يزال كذلك حتى إذا كان عند المغرب. . .)) إلخ، وهذا الأثر رواه زيد النرسي في أصله المطبوع ضمن الأصول الـ ١٦ بتحقيق المصطفوي، ومراد علماء الإمامية بـ (الأصل) أنه كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم مباشرة أو عمن سمع المعصوم، وأصل زيد النرسي قال المامقاني في تنقيح المقال (١ / ٥٩) عنه وعن مؤلفه: ((معتمد هو وأصله)) وكذلك النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل ج ١ / ٦٢ - ٧٤، ونقل التوثيق لزيد النرسي والتصحيح لأصله هذا أيضاً عن بعض علماء الإمامية كالطباطبائي والغضائري مع الرد على من طعن فيه، وانظر الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم (٢ / ٣٧٠ وما يليها) ، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق لحجة الإسلام والمسلمين (٢ / ٣٢) . (٧) أهل السنة متفقون على ما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله تبارك وتعالى يتكلم متى وكيف شاء بحرف وصوت مسموع، وبما أن القول في الصفات كالقول في الذات، فيكون كلامه صفةً له كذاته العلية سبحانه {ليس كمثله شيء} . قال ابن قدامة رحمه الله في المناظرة في القرآن ص ٧٠: ((قد ورد الكتاب والسنة وإجماع أهل الحق)) يعني على إثبات كلامه تعالى بصوت.