للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرافضي؛ لأن غرضه محصور في قول أبي قتادة: ((فإذا عمر بن الخطاب في الناس)) ؛ ليفسره بأنه في الناس الفارين؛ فإن العبارة محتملة لو لم يثبت أن عمر كان فيمن ثبتوا، ولذلك فسره القسطلاني بأنه كان في الناس الذين لم ينهزموا (١) ، ومتى كان عمر جباناً يفر من القتال؟! (٢)

وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بأن يعز به الإسلام (٣) ، وفي بعض الروايات: ((يشد به الدين)) (٤) فاستجاب الله دعاءه حتى قال عبد الله بن مسعود: ((ما عُبد الله جهرة حتى أسلم عمر)) . (٥)

وقد طعن الرافضي في جميع الصحابة، ولا سيما أصحاب بيعة الرضوان، الذين أثنى الله تعالى عليهم في القرآن وأقسم أنه رضي عنهم وجعل ذلك مما يتعبد به المسلمون إلى آخر الزمان، إذ قال عز وجل {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة، فعلم ما في قلوبهم فأنزل الله السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً} ثم قال فيهم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي


(١) أقول: رضي الله عنك يا أبا حفص! جاء عند البزار (كشف الأستار ٢/٣٤٦) وحسنه الحافظ ابن حجر أثر فيه أنه لما انهزم الناس كان عمر رضي الله عنه مقبلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصاباً - وكذلك أبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم - ببضعة عشر ضربة، فيقول أنس رضي الله عنه: ((. . . ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة. . .)) إلى أن قال: ((ثم أقبل الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل صَيّت ينطلق فينادي في القوم)) ، فانطلق رجل فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل المسلمون معه)) . وانظر: فتح الباري (٨/٤٢) .
(٢) من الجدير بالذكر هنا هو أن اتهام مكفري الصحابة لعمر رضي الله عنه بالجبن ونحوه يوقعهم في تناقض مع أنفسهم؛ حيث يدَّعون أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كان جباناً فلم يقتل أحداً في بدر أو أحد أو الخندق أو حنين - التي فر فيها كما يزعمون هنا - أو أي غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن في المقابل تبلغ بعمر الشجاعة والقوة أن يحرق بيت الشجاع وهو علي بن أبي طالب رضي الله! ويضرب - كما يعتقد أولئك القوم - زوجته فاطمة رضي الله عنها فيكسر ضلعها ويقتل جنينها! فماذا فعل علي بعد ذلك لعمر؟ لا شيء سوى الصمت!
بل نجد أن علياً رضي الله عنه هو الذي يخاف على نفسه من ذلك الجبان، فيُغْصَبُ فرج ابنته أم كلثوم رغماً عنه حتى استفاض في أخبارهم قول جعفر الصادق كما في فروع الكافي (٢/١٠) : ((ذلك فرج غصبناه)) والعياذ بالله، وغيرها من الحوادث التي تتناقض مع مرويات كثيرة في وصف شجاعة علي - رضي الله عنه - وقدراته الهائلة وبطولته وأن الإسلام لم يقم إلا بسيفه..!
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند (٢ / ٩٥ ط: الميمنية) ، والترمذي (٣٦٨١) ، وانظر: السلسلة الصحيحة (٣٢٢٥)
(٤) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (٤٤ / ٢٥ - ٢٦) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة () وابن سعد في الطبقات (٣ / ٢٦٧) عن سعيد بن المسيب وحسَّن الحافظ إسناده في الإصابة (ج ٤ ص ٢٨٠ ط: الشرفية) .
(٥) ذكره بهذا اللفظ الحافظ ابن حجر في الإصابة (ج ٤ ص ٢٧٩) ، وقد أخرجه البخاري (٣٦٨٤) بلفظ: ((ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>