للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنة في الثورة عليهم، ولما بلغنا عنهم من احتقار الدسيسة التي عرضها عليهم الإنكليز للتفرقة بينهم وبين أهل السنة؛ إذ عرضوا عليهم أن يكون القضاء في الجهات التي يكثرون فيها بمذهبهم الجعفري، فأجابوهم بأن الشريعة واحدة لا فرق فيها بين مذهب جعفر ومذاهب أهل السنة، وإنما الخلاف في كل مذهب يشبه ما في غيره وهو في مسائل اجتهادية، يعذَر فيها كل مجتهد. ثم نُكسوا على رؤوسهم وعادوا إلى خدمة الأجانب بالتفريق والتعادي من حيث لا يشعرون (١)

، ولم يعتبروا باعتدال شيعة إيران وميلهم إلى الوحدة والاتفاق، وإنما كان أسلافهم من أمراء الفرس وموابذتهم هم الذين أسسوا قواعد الغلو في الرفض ونظموا جمعياته ونشروه في العالم لإزالة ملك العرب وإعادة دين المجوس وملكهم كما شرحناه مرارًا، فقد أخبرني الأستاذ الثعالبي الذي زار بلادهم في العام الماضي بمثل ما أخبرني به الأستاذ الكردي الذي ذكرت خبره من قبل وهو ناشئ في بلادهم، قالا: إن الميل فيهم إلى الوحدة الإسلامية والاتفاق مع أهل السنة قوي جدًّا، وهذا


(١) يجب - وخاصة في وقتنا الحاضر - أن يكون هناك تفريق بين الموقف الديني والموقف السياسي، خاصة مع الشيعة الذين يصرحون بحقيقة كونهم أصحاب دين أو مذهب يختلف عما ندين به من حيث الأصول والفروع، وما يهمنا في التقييم هو الأصول، فعلينا أن نكون واضحين من هذه الناحية، أما الناحية الأخرى وهي ناحية التعايش أو ناحية الموقف السياسي فموجز القول فيه أنهم إن وقفوا معنا وقفنا معهم، لكن ينبغي أن نكون يقظين من انسحاب هذا الموقف السياسي على الدين، فيتصور العوام أو جمهور أهل السنة صحة دينهم الذي أُشيرَ في ثنايا هذا الكتاب إلى عدة جوانب منه، فيجب أن نبين لهم الفرق بين ما هو ديني وما هو سياسي.
فلا يصح شرعاً أن نصف قادتهم بالمجاهدين، وهم يجاهرون بتكفيرِ سادة المجاهدين وهم الصحابة، والطعنِ بأعراض أمهات المؤمنين زوجات النبي؟! وهذا أقل ما يقال عن عقيدتهم. وأما إن اعتزلونا وتركونا تركناهم، وأما إذا أبدوا لنا صفحة عداوتهم فليس لهم منا إلا مثلها، والبادئ أظلم، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وأكرر قول الشاعر:
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا

<<  <  ج: ص:  >  >>