واعلم - رعاك الله أيها الأخ المنصف - أننا هنا لا نعتمد في تفضيل علي عليه السلام على كافة الصحابة رضي الله عنهم إلا على أمثال هذه البراهين القاطعة والأمور المحسوسة، التي سجلها التاريخ وأوضحها البحث والتنقيب والتدبر، أما الأحاديث التي وردت في فضله عليه السلام فإنما تذكر تأييدًا واستظهارًا قبالة الخصم، وهذه طريقتنا في الأصحاب رضوان الله عليهم، لا نعتمد في فضلهم وصلاحهم على ما روي فيهم حتى نرى ما دُوِّن لهم في التاريخ من الأعمال، فإن كان ثمة عمل يؤيد ما روي فيهم آمنا وصدقنا، وإلا اتَّهَمْنا الراوي ولم نؤمن بحديثه.
ولسنا بحمد الله ممن يبخس الناس أشياءهم، بل نعطي كل ذي حق حقه، وننعت المرء بما هو فيه، إن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وجهة كان يؤمها، وغاية كان يسعى إليها هي من أشرف الغايات وأعلى المقاصد. (١)
ألا وهي إعزاز الإسلام وإظهار أبهته وعظمته وتفخيم سلطانه،
(١) بما أن طبيعة ملتوية تغلب على مشاعر القوم؛ لذا فستجد أنهم يتسللون خفية لينالوا من عمر، ولو عن طريق الإيحاء، فترى الواحد فيهم كيف أنه محترف يتقن استعمال الألفاظ الموهمة للوصول إلى ما يريد عن طريق الكناية والإيحاء، واستخدام ظلال العبارات والألفاظ، دون أن يترك أثراً مادياً يمكِّن الباحث في (كشف الدلالة) من تجريمه دون قيام شبهة معترضة! وعبد الحسين نور الدين له كتاب بعنوان " عمر والإسلام " قائم على هذا بل مقاله هنا قائم على ذلك! وقد أورد وسيورد بعض الروايات التي يعلم أن قومه لا يوردونها إلا طعناً في عمر بن الخطاب، وتشكيكاً في علمه وكفاءته.