للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الشرع ولا العقل أن تُجعل من عقائد الدين، ويجعل الخلاف فيها سببًا للشقاق بين المسلمين، وأن من أكبر الخذلان، واتباع خطوات الشيطان، أن يجعل الخلف الطالح مسألة المفاضلة بين الخليفتين من أصول الدين (١) ، التي يُقذَف فيها المخالف بأنه (غير متبع سبيل المؤمنين) مع العلم القطعي بأن عليًّا كان وليًّا ونصيرًا وظهيرًا وقاضيًا ووزيرًا لعمر، وأنه فضله هو وأبو بكر على نفسه وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد [١/ ١٠٦، ١١٠، ١١٤، ١٢٧] والبخاري [٣٤٦٨] وغيره بالأسانيد الصحيحة.

يقابله ما علم واشتهر من تقديم عمر له في التعظيم والشورى والقضاء، ومن تفضيله على نفسه ما قاله عمر لابنه عبد الله حين عاتبه على تفضيل الحسن والحسين عليهما السلام عليه في العطاء فقال له: (ألك أب كأبيهما أو جد كجدهما؟) كما نقله الرضي في نهج البلاغة. (٢)

أليس أمير المؤمنين علي عليه السلام هو القدوة الأكبر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم عند إخواننا الشيعة، فلماذا لا يتبعونه في إجلال أبي بكر وعمر وكذا عثمان لأجل جمع كلمة المسلمين، وإعلاء


(١) قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار (١٤/٢٤١) : ((وقد أجمع علماء المسلمين أنّ الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب: من أفضل عبادي؟ ولا هل فلانٌ أفضل مَنْ فلان؟ ولا ذلك مما يُسأل عنه أحدٌ في القبر، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مدح خصالاً وحمد أوصافاً، من اهتدى إليها حاز الفضائل، وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمرِه على من لم يَنَلها، ومن قصر عنها لم يبلغ في الفضل منزلة من ناله)) ، ولم يكن هاجس الصحابة رضي الله عنهم في زمانهم إثبات من الأفضل على الآخر.
(٢) ومن المواقف المروية عن عمر رضي الله عنه في هذا الباب أنه: عندما أراد أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في كتاب الخراج لأبي يوسف (ص ٤٤ ط: المعرفة) وتاريخ ابن عساكر (١٤/٨٦) فقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: ابدأ بنفسك. فقال: لا والله، بالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بني هاشم رهطِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي (٣/٢٨٥) أنّ عمر - رضي الله عنه - كسا أبناء الصحابة، ولم يكن في ذلك مايصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن، فأُتي بكسوة لهما فقال: ((الآن طابت نفسي)) .
وهكذا كل رجل منهم كان يدفع الفضل عن نفسه، وينسبه إلى صاحبه؛ إذ كان هاجسهم العمل وخدمة هذا الدين لا المفاضلة والافتخار على بعضهم البعض، وإني أقول هذا وأنا أعلم أنّ من الناس من سيقرأ كلام المؤلف هذا غير آبه به، فالقضايا الهامشية التي ننتقد التركيز عليها وإثارتها هي أكبر قضايا الإسلام عنده!

<<  <  ج: ص:  >  >>