يفارقه في طول حياته إلا في أوقات قليلة، فقد تلقى العلوم من سن الطفولة التي هي سن التحصيل، وفي الزمن الطويل، فهذا برهان عقلي على أنه فاق عمر وسائر الصحابة في علوم الإسلام كلها مع ذكائه النادر اهـ (ص ٦٧ - ٦٩) .
أقول:
١ - إن العلم الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه شيء من الفنون الخاصة بالأطفال التي تؤخذ بحفظ العبارات أولاً، ثم تفهم بالتدريج البطيء الذي يراعى فيه سن الطفل ونمو مداركه؛ وإنما دعا إلى علم لا يوجه إلا إلى العقلاء المكلفين، وأوله توحيد الله تعالى والإيمان بملائكته وكتبه ورسله وبالبعث والجزاء، ثم بأصول الفضائل وعبادة الله تعالى بالصلاة والذكر والفكر، وينبوع هذا العلم كله القرآن وقد بلغ كله للجميع (١) ؛ وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم مبينًا له بسنته العملية والقولية، وكانوا يتفاضلون في العلم بفهم القرآن.
وقد سأل أبو جحيفة عليًّا عليه السلام: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا أن يؤتي الله عبدًا فهمًا في القرآن وما في هذه
(١) كما أن القرآن لم يكتمل نزوله حتى صار لعلي رضي الله عنه نحوا من ثلاثين سنة، فيكون هو أيضاً قد حفظ أكثر القرآن في كبره لا في صغره، والأنبياء - وهم أعلم الخلق - لم يبعث الله نبيا منهم إلا بعد الأربعين إلا عيسى صلى الله عليه وسلم. انظر: منهاج السنة