للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذنبه، فأتاه آتٍ من الله فقال: إن مجلسك هذا أحب إليّ من عملك فيما مضى من عمرك» (١).

وفى كتاب «الزهد» للإمام أحمد: «أن رجلًا من بني إسرائيل تعبَّد ستين سنة في طلب حاجة، فلم يظفر بها، فقال في نفسه: والله لو كان فيكَ خير لظفرتَ بحاجتك، فأُتي في منامه، فقيل له: أرأيت إزراءك على نفسِك تلك الساعة؟ فإنه خير من عبادتك تلك السنين» (٢).

ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله عليه. ومن لم يعرف حق الله عليه فإن عبادته لا تكاد تُجدي عليه، وهى قليلة المنفعة جدًّا.

فمِن أنفع ما للقلب: النظر في حق الله على العبد؛ فإن ذلك يُورِثه مقتَ نفسِه، والإزراء عليها، ويُخلِّصه من العُجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته؛ فإن من حقه أن يُطاع ولا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.

فمَن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه عَلِم عِلْمَ اليقين أنه غير مؤدٍّ له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أُحيل على عمله هلك.

فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسَهم من أنفسهم، وعلَّق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.


(١) الزهد لأحمد بن حنبل (ص ٤٧).
(٢) الزهد لأحمد بن حنبل (ص ٣٠٣) لفظ الزهد فيه اختلاف وهذا لفظه: عَنِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: " كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ تَعَبَّدَ زَمَانًا ثُمَّ طَلَبَ إِلَى اللَّهِ ﷿ حَاجَةً وَصَامَ سَبْعِينَ سَبْتًا يَأْكُلُ كُلَّ سَبْتٍ إِحْدَى عَشْرَةَ تَمْرَةً قَالَ: فَطَلَبَ إِلَى اللَّهِ حَاجَةً فَلَمْ يُعْطِهَا قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ مِنْ قِبَلِكِ أُتِيتُ، لَوْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ لَأُعْطِيتَ حَاجَتَكَ وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ سَاعَتَئِذٍ مَلَكٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ سَاعَتُكَ هَذِهِ الَّتِي أَزْرَيْتَ فِيهَا عَلَى نَفْسِكَ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَتِكَ كُلِّهَا الَّتِي مَضَتْ وَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ حَاجَتَكَ الَّتِي سَأَلْتَ ".

<<  <   >  >>