للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما يشعر العبد المؤمن بقرب ربه منه، فيقبل عليه، ويزداد خشوعًا، وذلًّا وخضوعًا لربه، فيسارع ويسابق إلى مرضاته: قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠].

وهذه من أعظم فوائد الذكر والدعاء التي تجعل العبد يلتذذ بخلوته بربه ويسعد بها ويجد فيها أنسه وراحة قلبه، ودونك هذه الآثار عن السلف في هذ المعنى التي أوردها ابن رجب في كتابه العظيم جامع العلوم والحكم:

"قال بكرٌ المزنيُّ: مَنْ مثلُك يا ابنَ آدم: خُلِّي بينَك وبينَ المحراب والماء، كلَّما شئتَ، دخلتَ على اللهِ ﷿، ليس بينَكَ وبينَه تَرجُمان.

ومن وصل إلى استحضارِ هذا في حال ذكره لله وعبادته، استأنسَ بالله، واستوحش مِنْ خلقه ضرورةً.

قال ثور بن يزيد: قرأتُ في بعضِ الكُتب أن عيسى قال: يا معشر الحواريِّين، كلِّموا الله كثيرًا، وكلِّموا الناسَ قليلًا، قالوا: كيف نكلِّمُ الله كثيرًا؟ قال: اخلُوا بمناجاته، اخلوا بدُعائه. خرجه أبو نعيم.

وخرَّج أيضًا بإسناده عن رياح، قال: كان عندنا رجلٌ يصلِّي كلَّ يومٍ وليلةٍ ألفَ ركعة، حتَّى أُقعِدَ من رجليه، فكان يصلِّي جالسًا ألف ركعة، فإذا صلى العصر، احتبى، فاستقبل القبلةَ، ويقول: عجبتُ للخليقةِ كيف أَنسَت بسواك، بل عجبتُ للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكرِ سواكَ.

وقال أبو أسامة: دخلت على محمد بن النَّضر الحارثيِّ، فرأيتُه كأنه منقبضٌ، فقلت: كأنَّك تكره أن تُؤتى؟ قال: أجل، فقلت: أوَ ما تستوحشُ؟ فقال: كيف أستوحشُ وهو يقولُ: أنا جليسُ مَنْ ذكرني.

وقيل لمالك بن مِغول وهو جالسٌ في بيته وحده: ألا تستوحشُ؟ فقال: ويستوحشُ مع اللهِ أحدٌ؟.

<<  <   >  >>