للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ الأنعام: ١١٢ - ١١٣.

وذكر الله في كتابه دعاء المؤمنين الراسخين في العلم فقال : ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ آل عمران: ٨.

وهذا يدل على أن القلب كثير الزيغ إذا لم يثبته الله، وجاء إكثار النبي من الدعاء بتثبيت القلوب على الدين؛ ليدل على كثرة تقلبها بسبب كثرة أمراضها، وهذا يجعل المؤمن مهتمًّا بالإكثار من هذا الدعاء متفهماً لحاجته له؛ لخوفه على قلبه من التقلب، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟! قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» (١).

وقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ، يَعْنِي بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ قِيلَ: وَمَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: " لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا " (٢).

وكل ما سبق يدل دلالة قوية على عظيم أهمية هذا الدعاء ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ الذي نكرره في كل ركعة، ولكن حجب الذنوب الكثيفة على القلوب أفقدت القلب الشعور بحاجته الشديدة والماسة جداً لتكرار هذا الدعاء في كل ركعة، وإلى الله المشتكى.


(١) أخرجه أحمد ط الرسالة (١٩/ ١٦٠) ح (١٢١٠٧)، والترمذي (٤/ ٤٤٨) ح (٢١٤٠) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وابن ماجه (٢/ ١٢٦٠) ح (٣٨٣٤)، حكم الألباني بصحته في مشكاة المصابيح (١/ ٣٧) ح (١٠٢)، قال محقق المسند (١٩/ ١٦٠): "إسناده قوي على شرط مسلم".
(٢) أخرجه أحمد (٣٩/ ٢٣٩) ح (٢٣٨١٦)، والحاكم (٢/ ٣١٧) ح (٣١٤٢) وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق المسند (٣٩/ ٢٣٩): " حديث حسن"، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٤/ ٣٧٤) ح (١٧٧٢).

<<  <   >  >>