للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك يحضر قلبه عند التأمين، فهو كلمة بمعنى: "اللهم استجب" أي: استجب هذا الدعاء، وليتذكر وهو يقول: "آمين" حديث النبي : «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (١).

قال شيخ الإسلام عن عظيم أثر هذا الدعاء: "والذين هداهم الله من هذه الأمة حتى صاروا من أولياء الله المتقين، كان من أعظم أسباب ذلك دعاؤهم الله بهذا الدعاء في كل صلاة مع علمهم بحاجتهم وفاقتهم إلى الله دائماً في أن يهديهم الصراط المستقيم، فبدوام هذا الدعاء والافتقار صاروا من أولياء الله المتقين.

قال سهل بن عبد الله التستري: ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار (٢)، وما حصل فيه الهدى في الماضي فهو محتاج إلى حصول الهدى فيه في المستقبل وهذا حقيقة قول من يقول: ثبتنا واهدنا لزوم الصراط. وقول من قال: زدنا هدى يتناول ما تقدم؛ لكن هذا كله هدى منه في المستقبل إلى الصراط المستقيم؛ فإن العمل في المستقبل بالعلم لم يحصل بعد ولا يكون مهتدياً حتى يعمل في المستقبل بالعلم، وقد لا يحصل العلم في المستقبل بل يزول عن القلب، وإن حصل فقد لا يحصل العمل فالناس كلهم مضطرون إلى هذا الدعاء؛ ولهذا فرضه الله عليهم في كل صلاة فليسوا إلى شيء من الدعاء أحوج منهم إليه، وإذا حصل الهدى إلى الصراط المستقيم حصل النصر والرزق وسائر ما تطلب النفوس من السعادة والله أعلم" (٣).

قال ابن كثير في تفسيره عن هذا الدعاء العظيم: " ولولا احتياجه ليلاً ونهاراً إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق" (٤).


(١) أخرجه البخاري (٨/ ٨٥) ح (٦٤٠٢)، ومسلم واللفظ له (١/ ٣٠٧) ح (٤١٠).
(٢) ينظر: الزهد والرقائق للخطيب البغدادي (ص ١٢٣).
(٣) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٠٨ - ١٠٩).
(٤) تفسير ابن كثير ت سلامة (١/ ١٣٩).

<<  <   >  >>