للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ*، قَالَ: أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ* يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِوا بَابِ ضَلَالَةٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَاّ الْخَيْرَ، قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ" (١).

فتأمل كيف أنكر عبد الله بن مسعود على أصحاب الحلقات هؤلاء، مع أنهم في حلقة ذكر ومجلس عبادة لما كان ذكرهم لله وتعبدهم له بغير الوارد المشروع، وفي هذا دلالة على أنه ليس العبرة في العبادة والدعاء والذكر كثرته، وإنما العبرة في موافقته للسنة، كما قال ابن مسعود في مقام آخر: «اقْتِصَادٌ فِي سَنَةٍ خَيْرٌ مِنِ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ» (٢)، وابن مسعود لم ينكر عليهم ذكرهم لله واشتغالهم بذلك، وإنما أنكر عليهم مفارقتهم للسنة في صفة أدائه وكيفية القيام به مع أن الألفاظ التي كانوا يذكرون الله بها ألفاظ صحيحة وردت بها السنة، فكيف الحال بمن ترك السنة في ذلك جملة وتفصيلاً في الألفاظ وصفة الأداء وغير ذلك، كالأوراد التي يقرؤها بعض الناس مما كتبه بعض أشياخ الطرق الصوفية بصيغ مختلفة وأساليب متنوعة مما هو متضمن لأنواع من الباطل وصنوف من الضلال كالتوسلات الشركية والألفاظ البدعية والأذكار المحدثة، ويرتب هؤلاء لأورادهم وظائف محددة وصفات معينة وأوقات ثابتة، وهذا كله ولا ريب من الإحداث في الدين، ومن المفارقة لسبيل سيد الأنبياء والمرسلين، والاستعاضة عنه بما أحدثه شيوخ الضلال وأئمة الباطل، وهو تشريع في الدين بما لم


(١) أخرجه الدارمي - ت الزهراني (١/ ١٢٠) رقم الأثر (٢١١)، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥/ ١١ - ١٢) ح (٢٠٠٥) وقال: " وهذا إسناد صحيح".
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>