بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنه طلاسم للكواكب ونحو ذلك؛ فإن الشّرك بقبر الرجل الذي يُعتقد صلاحه أقربُ إلى النفوس من الشرك بخشَبة أو حَجَر.
ولهذا تَجد أهل الشرك كثيرًا يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادةً لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السَّحَر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد.
فلأجل هذه المفسدة حَسَم النبي ﷺ مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، وإن لم يقصد المصلي بَرَكة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بَرَكة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذٍ، وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون، سدًّا للذريعة.
قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور، متبرِّكًا بالصلاة في تلك البُقعة، فهذا عين المحادّة لله ورسوله، والمخالفةِ لدينه، وابتداع دينٍ لم يأذن به الله؛ فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله ﷺ: أن الصلاة عند القبور منهيّ عنها، وأنه لَعن من اتخذها مساجد، فمِنْ أعظم المحدثات وأسباب الشّرك: الصلاةُ عندها، واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، فقد تواترت النصوص عن النبي ﷺ بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه، فقد صرّح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها، متابعةً منهم للسنة الصحيحة الصريحة.
وصرَّح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك، وطائفة أطلقت الكراهة، والذي ينبغي أن يحمل على كراهة التحريم؛ إحسانًا للظن بالعلماء، وأن لا يُظَنّ بهم أن يُجوّزوا فعل ما تواتر عن رسول الله ﷺ لعنُ فاعله، والنهي عنه.
ففي «صحيح مسلم» عن جُندَب بن عبد الله البَجلي، قال: سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله