للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله في الحديث المتفق على صحته عن عائشة : أن أمّ سَلَمَة ذكرت لرسول الله كَنِيسة رأتها بأرضِ الحبشة يقال لها: ماريةُ، فذكرتْ له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله : «أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح؛ بَنَوْا على قَبره مسْجدًا، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله» (١).

وفى لفظ آخر في «الصحيحين»: أن أم حبيبة وأم سَلمة ذكرتا كنيسة رأينها (٢).

فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور.

وهذا كان سبب عبادة اللات. فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: ١٩]، قال: «كان يَلُتّ لهم السّويق، فمات، فعكفوا على قبره» (٣).

وكذلك قال أبو الجَوْزاء عن ابن عباس: «كان يلتّ السويق للحاجّ» (٤).

فقد رأيتَ أن سبب عبادة يغوث ويعوق ونَسْر واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي .

قال شيخنا (٥): وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور؛ هي التي أوقعت كثيرًا من الأُمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك؛ فإن النفوس قد أشركت


(١) البخاري (٤٣٤)، ومسلم (٥٢٨).
(٢) البخاري (٣٨٧٣)، ومسلم (٥٢٨).
(٣) تفسير الطبري (٢٢/ ٥٢٣)
(٤) رواه البخاري رقم (٤٨٥٩).
(٥) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ١٩٢ وما بعدها).

<<  <   >  >>