المشركين فنُبِشت، ثم بالخَرب فسُوِّيت، وبالنخل فقُطع، فصفّوا النخل قِبْلَة المسجد، وجعلوا عِضادَتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يَرْتَجزون. وذكر الحديث (١).
ومنها: أن فتنة الشرك بالصلاة في القبور ومشابهة عُبّاد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر، فإذا نهى عن ذلك سدًّا لذريعة التشبه الذي لا يكاد يخطر ببال المصلي؛ فكيف بهذه الذريعة القريبة التي كثيرًا ما تدعو صاحبها إلى الشرك، ودعاء الموتى، واستيجابهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها في المساجد، وغير ذلك، مما هو محادّة ظاهرة لله ورسوله؟
فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة مما يدل على أن النبي ﷺ قصد منع الأمة من الفتنة بالقبور؛ كما افتتن بها قوم نوح ومن بعدهم؟
ومنها: أنه لعن المتخذين عليها المساجد، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر، فتزول اللعنة، وهو باطل قطعًا.
ومنها: أنه قرن في اللعنة بين متخذي المساجد عليها، وموقدي السُّرُج عليها، فهما في اللعنة قرينان، وفى ارتكاب الكبيرة صِنوان؛ فإن كل ما لَعَن عليه رسول الله ﷺ فهو من الكبائر، ومعلوم أن إيقاد السُّرج عليها إنما لُعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها، وجعلها نُصُبًا يُوفِضُ إليه المشركون، كما هو الواقع، فهكذا اتخاذ المساجد عليها، ولهذا قرن بينهما؛ فإن اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها، وتعريض للفتنة بها، ولهذا حكى الله سبحانه عن المتغلِّبين على أمر أصحاب الكهف، أنهم قالوا: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١].