للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: أنه قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، فذِكْرُهُ ذلك عَقيبَ قوله: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد» (١) تنبيه منه على سبب لحوق اللعن بهم، وهو توسُّلهم بذلك إلى أن تصير أوثانًا تُعبد.

وبالجملة؛ فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفَهِمَ عن الرسول مقاصده، جزم جزمًا لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه واللعن والنهي بصيغتيه صيغة «لا تفعلوا»، وصيغة «إني أنهاكم» ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربَّه ومولاه، وقلّ نصيبه أو عُدِمَ من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن هذا وأمثاله من النبي صيانةٌ لحِمَى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريدٌ له وغضب لربِّه أن يُعدَل به سواه.

فأبى المشركون إلا معصية لأمره، وارتكابًا لنهيه، وغَرّهم الشيطان بأن هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين، وكلما كنتم أشدَّ لها تعظيمًا، وأشدَّ فيهم غلوًّا كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.

ولعَمْرُ الله مِنْ هذا الباب بعينه دُخِلَ على عُبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دُخِلَ على عبَّاد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة، فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم، وهَدَى الله أهل التوحيد لسلوك طريقهم، وإنزالِهِمْ منازَلُهمْ التي أنزلهم الله إياها، من العبودية وسلب


(١) رواه مالك (٤١٤) ومن طريقه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٢/ ٢٤٠) عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار به مرسلا، ورُوي موصولا من طريق أخرى عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد. ورواه الحميدي (١٠٢٥) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (٧/ ٣١٧) وابن سعد (٢/ ٢٤١) وأحمد (٢/ ٢٤٦) والبخاري في التاريخ الكبير (٣/ ٤٧) والمفضل الجندي في فضائل المدينة (٥١) وأبو يعلى (٦٦٨١) وغيرهم عن ابن عيينة عن حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، قال البوصيري في إتحاف الخيرة (٣/ ٢٦٠): «رجاله ثقات»، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص ٢١٧). وفي الباب عن عمر وعن سعيد بن أبي سعيد مولى المهري.

<<  <   >  >>