للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: مكانته العلمية]

أولًا: نشأته العلمية

نشأ الإمام ابن شهاب الزُّهْرِيّ في مدينة رسول الله لا مال له مقطعًا من الديوان (١)، وبدأ في طلب العلم في المدينة صغيرًا، فنال حظًا وافرًا من العلم على يدي صغار الصحابة وكبار التابعين، وأول ما توجهت إليه عنايته حفظ القرآن الكريم، فحفظه في ثمانين ليلة، بحسب رواية ابن أخيه محمد بن عبد الله بن مسلم، حيث قال "جمع عَمِّي القرآن في ثمانين ليلة" (٢)، ثم أقبل على تعلِّم الأنساب، يقول الإمام الزُّهْرِيّ في ذلك: "فكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صُعير العدوي وكان عالمًا بنسب قومي وهو ابن أختهم وحليفهم، فأتاه رجل فسأله عن مسألة من الطلاق، فعي بها وأشار له إلى سعيد بن المسيب، فقلت في نفسي ألا أراني مع هذا الرجل المسن يعقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على رأسه وهو لا يدري ما هذا، فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب فسأله، فأخبره، فجلست إلى سعيد، وتركت عبد الله بن ثعلبة" (٣).

ثم ترك تعلم الأنساب، واتجه إلى تعلم الحديث والأحكام فـ"جالس سَعِيد بن الْمُسَيَّب ثمان سنين، تمسّ رُكْبَتُه رُكْبَتَه، وكان يخدم عُبَيْد اللَّه بن عبد الله (٤) يستسقي له الماء المالح، ويَدُور على مشايخ الحديث، ومعه ألواح يكتب عنهم فيها الحديث، ويكتب عنهم كلّ ما سَمِع منهم، حتى صار من أعلم الناس وأعلمهم في زمانه، وقد احتاج أهل عصره إليه" (٥).

وقد جدَّ الإمام الزُّهْرِيّ واجتهد في تحصيل العلم حتى فاق أقرانه، فحفظ علم


(١) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ٥/ ٣٤٨، (والدِّيوَان: الدفتر يكْتب فِيهِ أَسمَاء الْجَيْش وَأهل الْعَطاء والكتبة ومكانهم (المعجم الوسيط، مادة (دون)).
(٢) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ٥/ ٣٣٢، وانظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، ٥٥/ ٣١٣.
(٣) ابن عساكر، تاريخ دمشق، ٥٥/ ٣٢٢.
(٤) هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (انظر: تهذيب الكمال للمزي، ٢٦/ ٤٢٠).
(٥) ابن كثير، البداية والنهاية] دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ١، ١٤٠٨ هـ[، ٩/ ٣٧٣.

<<  <   >  >>