للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المبحث الأول: أسباب الإرسال عند الزُّهْرِيّ

تبين في الفصل التمهيدي أن البلاغ قد يُعبر عنه بالمعضل إذا سقط من رُوَاته قبل التَّابِعِيّ واحد أَو أَكثر، وقد يُعبر عنه بالمرسل إذا صدر من التّابعيّ، والإمام الزُّهْرِيّ من صغار التابعين، وبلاغاته التي رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي فيما أُرى من المرسل، وصورة المرسل عند المُحدِّثين: "أن يقول التابعيّ -سواء كانَ كبيرًا أم صغيرًا-: قال رسول - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو فعل كذا، أو فُعِل بحضرته كذا، ونحو ذلك" (١)، وهو ما تبين في بلاغات الإمام الزُّهْرِيّ؛ فقد وجدته يروي الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيغة بلغني أو ذكر لي أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال كذا، أو فعل كذا، أو فُعِل بحضرته كذا، ونحو ذلك، وتارة يروي عن الصحابي أنه بلغه عنه كذا، وهو نادر، فقد وجده في خبر واحد بلغه فيه أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لم يكن يَحُجّ حَتَّى مَاتَت أمه لصحبتها.

ولعل من أبرز أسباب الإرسال عند الإمام الزُّهْرِيّ، ما يلي:

أولًا: الاختصار في ذكر الإسناد:

فالإمام الزُّهْرِيّ في إرساله للحديث كان على جانب كبير من العلم بإسناده، وقد ورد ما يؤكد أنه كان يذكر من حدثه عندما يُسأل عن الإسناد، ومن هذا ما يرويه ابن عبد البر بإسناده المتصل عن مالك بن أنس قال: كنا نجلس إلى الزُّهْرِيّ وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزُّهْرِيّ: قال ابن عمر كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم (٢).

ثانيًّا: قد يروي عمن هو أصغر منه سنًا فيسكت عن اسمه:

ومن ذلك روايته عن سليمان ابن أرقم (وهو من شيوخه)، وقد سُئل الإمام الشافعي عن سبب قبول الإمام الزُّهْرِيّ عن سليمان بن أرقم؟ فأجاب الشافعي: رآه رجلاً من أهل


(١) ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ص ١٠١.
(٢) ابن عساكر، تاريخ دمشق، ٥٥/ ٣٦٩.

<<  <   >  >>