للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال على بن المديني: مرسلات الزُّهْرِيّ رديئة، قيل: له وحديث النذر حديث ابن سلمة. قال: إنما سمعه الزُّهْرِيّ من سليمان بن أرقم؛ ومن ثم قلت إن مرسلات الزُّهْرِيّ رديئة (١).

وقد اعتذر الإمام الشافعي للزُّهْرِيّ في روايته عن سليمان ابن أرقم فقال: وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثِقة الرجال، إنما يُسمي بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم خيارَ التابعين، ولا نعلم محدثًا يسمي أفضل ولا أشهر ممن يحدِّث عنه ابن شهاب. فقيل له: فأنى تُرَاه أتى في قبوله عن سليمان بن أرقم؟ فأجاب الشافعي: رآه رجلاً من أهل المروءة والعقل، فَقَبِل عنه، وأحسن الظن به، فسكت عن اسمه إما لأنه أصغر منه، وإما لغير ذلك، وسأله مَعْمر عن حديثه عنه، فأسنده له، فلما أمكن في ابن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع ما وصفت به ابن شهاب: لم يُؤمَن مثل هذا على غيره (٢).

وعلى كل حال فإرسال الزُّهْرِيّ لا يخل بإمامته وعدالته ولا يقل من جلالته في هذا الفن؛ حيث إن الإرسال لم يكن من العيوب القادحة في عدالة الراوي، قال الخطيب: " ... والإرسال لا يتضمن التدليس؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه؛ ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث" (٣).

ثانيًّا: ما قيل عنه في التدليس وتوجيه ذلك

الدَّلَس، بِالتَّحريك: الظُّلْمَة، ودَلَّسَ في البيع وفي كلّ شيءٍ إِذا لم يبيّن عيبه، وهو من الظُّلمة. والتَّدْلِيس فِي البيع: كتمان عيب السِّلعة عن الْمُشْتَرَى (٤).

وقد قسم ابن الصلاح (٥) التدليس إلى قسمين (٦):


(١) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر، ٥٥/ ٣٦٩.
(٢) انظر: الرسالة للشافعي، تحقيق: أحمد شاكر] مكتبه الحلبي، مصر، ط ١، ١٣٥٨ هـ[، ص ٤٦٩، ٤٧٠.
(٣) انظر: الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ص ٥٤٩.
(٤) انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (دلس).
(٥) انظر: أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)، ص ٧٣، ٧٤.
(٦) هذا هو التقسيم الذي وجدته عند غالب أهل الصنعة، ولكن برهان الدين الأبناسي في شرحه لمقدمة ابن الصلاح قال: "وقد ترك المصنف قسما ثالثًا وهو أشر الأقسام يسمونه تدليس التسوية، سماه بذلك ابن القطان وغيره، ثم ذكره (انظر: الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح الأبناسي، ١/ ١٧٤).

<<  <   >  >>