للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التعليق على الخبر]

اختلف العلماء في افتتاح خيبر (١): هل كان عنوة أو صلحًا، أو خلا أهلها عنها بغير قتال، فمن رأى أنها فُتحت عنوة احتج بحديث أنس السابق: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا خيبر فأصبناها عنوة".

وقال آخرون كانت خيبر حصونًا كثيرة، فمنها ما أُخذ عنوة بالقتال والغلبة، ومنها ما صالح عليه أهلها، ومنها ما أسلمه أهله للرعب والخوف بغير قتال، طلبًا لحقن دمائهم؛ واحتجوا بما رواه ابن وهب عن مالك عن بن شهاب "أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَعْضُهَا صُلْحًا وَالْكَتِيبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً، وَفِيهَا صُلْحٌ، قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَمَا الْكَتِيبَةُ؟ قَالَ: «أَرْضُ خَيْبَرَ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عَذْقٍ» (٢)، وقد تتبعت هذا الخبر؛ فوجدته موقوفًا على ابن شهاب، ولم أجد من وصله، كما روى بعضه البيهقي موقوفًا على الإمام مالك، قال: وَرُوِّينَا، عن مَالِك بن أَنَس، أَنَّه قال: «كَانَ خَيْبَرُ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَعْضُهَا صُلْحًا» (٣).

ولعل الرأي القائل: إن خيبر فُتحت عنوة هو الرأي الأقوى فيما أُرى؛ لقوة الآثار الواردة في ذلك، قال ابن القيم: "ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبيّن له أن خيبر إنّما فُتحت عنوة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استولى على أرضها كلها بالسيف، كلها عنوة ولو شيء منها فُتِح صلحًا لم يجليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، فإنه لما عزم على إخراجهم منها، قالوا: نحن أعلم بالأرض منكم، دعونا نكون فيها ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها، وهذا صريح جدًا في أنّها إنّما فُتِحت عنوة" (٤).

* * * * *

١٤ - أخرج أبو داود في سننه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، (ح) وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا


(١) انظر: الاستذكار لابن عبد البر، تحقيق: سالم محمد عطا، ومحمد علي معوض] دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٢١ هـ[، ٧/ ٣٧.
(٢) أبو داود، سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر، رقم (٣٠١٧)، ٣/ ١٦١.
(٣) البيهقي، معرفة السنن والآثار، ٩/ ٢٤٠.
(٤) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد] مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٢٧، ١٤١٥ هـ[، ٣/ ٢٩٢.

<<  <   >  >>