للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما ما اجتمع عليه العلماء من ذلك: أن الفأرة ومثلها من الحيوان كله يموت في سمن جامد، أو ما كان مثله من الجامدات، أنها تطرح وما حولها من ذلك الجامد ويؤكل سائره إذا استيقن أنه لم تصل الميتة إليه، وكذلك أجمعوا أن السمن وما كان مثله إذا كان مائعًا ذائبًا فماتت فيه فأرة، أو وقعت وهي ميتة، أنه قد نجس كله، وسواء وقعت فيه ميتة أو حية فماتت يتنجس بذلك قليلًا كان أو كثيرًا، هذا قول جمهور الفقهاء وجماعة العلماء وقد شذ قوم فجعلوا المائع كله كالماء ولا وجه للاشتغال بشذوذهم في ذلك ولا هم عند أهل العلم ممن يعد خلافًا (١).

واختلفوا في بيعه والانتفاع به، فقالت طائفة: لا يباع ولا ينتفع بشيءٍ منه، كما لا يؤكل. هذا قول الحسن بن صالح وأحمد بن حنبل؛ واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن كان مائعًا فلا تقربوه". وقال آخرون: يجوز الاستصباح به (٢)، والانتفاع في الصابون وغيره، ولا يجوز بيعه وأكله. هذا قول مالك والثوري والشافعي؛ قالوا: وقد روى عن على بن أبى طالب وابن عمر وعمران بن حصين أنهم أجازوا الاستصباح به. وذكر الطبري عن ابن عباس مثله، وذكر ابن المنذر عن ابن مسعود وأبى سعيد الخدري وعطاء مثله. واحتجوا في منع بيعه بقوله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" (٣).

* * * * *

٤ - أخرج البخاري في صحيحه، قال: وَزَادَ اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ هَلْ نَتَوَضَّأُ أَوْ نَشْرَبُ أَلْبَانَ الأُتُنِ (٤)، أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعِ، أَوْ أَبْوَالَ الإِبِلِ؟ قَالَ: قَدْ كَانَ المُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا، فَلاَ يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا، فَأَمَّا أَلْبَانُ الأُتُنِ: فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُحُومِهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَلْبَانِهَا أَمْرٌ وَلاَ نَهْيٌ،


(١) المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(٢) الِاسْتِصْبَاح، أي: إيقاد الْمِصْبَاح وهو السِّرَاج (النسفي، طلبة الطلبة] المطبعة العامرة، مكتبة المثنى ببغداد، د. ط.، ١٣١١ هـ[، ص ٩).
(٣) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال، ٥/ ٤٥١، والحديث في صحيح مسلم: كتاب المُسَاقَاة، باب تحريم بيع الخمر، رقم (١٥٧٩)، ٣/ ١٢٠٦.
(٤) والأتن بضم الهمزة: جمع أتان، وهي الحمارة: أُنثى الحُمُر (انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني، ٢١/ ٢٩٢).

<<  <   >  >>